يجمع كل التربويين على أهمية -بل ضرورة- توظيف التقنية في المواقف التعليمية، واستخدامها من قبل كل المعلمين وكل الطلاب، فالسبورة الذكية وجهاز العرض (البروجكتور) والحاسب الآلي المحمول، أضحت من المستلزمات التعليمية التي يجب توافرها في كل قاعة وفصل دراسي. وحتى يؤتي هذا النمط من التعليم أكله، ويحقق أغراضه وفاعليته المنشودة، لا بد أن توفر للمعلم برمجيات تفاعلية لكل المواد الدراسية، تشمل كل الأهداف التربوية بمستوياتها المختلفة، وبأسلوب ممتع مشوق.
ومعلوم أن هذا النمط من التعليم مكلف جداً، فتجهيز الفصل الواحد يكلف حوالي ستة آلاف ريال، هذا عدا كلفة إعادة تأهيل المدارس وما يترتب عليه من تكسير وتمديد وترميم، لتتوافق مع متطلبات هذا النمط من التعليم، ومعلوم أيضاً أن البرمجيات التعليمية التفاعلية غير متوفرة بصورة كاملة متكاملة في كل المواد الدراسية، وكل ما هو متوفر مجرد محاولات متفرقة هنا وهناك، تدفعها حماسات أفراد أو مؤسسات سرعان ما تكتشف عدم قدرتها على المواصلة، بسبب التغيير المستمر في المقررات الدراسية، وعدم حماسة المؤسسات التعليمية -الحكومية والأهلية- على الاستفادة من تلك المنتجات، وبالتالي تخبو الآمال وتتوقف الجهود.
ومما يزيد في كلفة هذا النمط من التعليم، إعادة تأهيل المعلمين ليتمكنوا من التعامل مع التقنية والتفاعل معها، والحماسة لها، وتوظيفها في المواقف التعليمية، فهذا النمط يحتاج إلى جهد واهتمام وإيمان، وإلا بقي مجرد شعار يرفع في المناسبات وفي المحافل وعلى صفحات الجرائد.
ومما يحول دون تعميم هذا النمط من التعليم، وجوب توفير جهاز حاسب آلي محمول لكل طالب وبكلفة تتراوح بين ألفين وخمسة آلاف للطالب الواحد، والعدالة تقتضي تعميمه على كل مدرسة في كل قرية ومدينة، فالطالب في الخرخير له الحق في أن يتعلم وفق هذا النمط تماماً كما هو حال أي طالب في أي مدينة كبرى من مدن المملكة، ويحول أمام هذا الحق في التعميم عقبات وعقبات.
فالتعليم ما زال يعاني من عقبات أقل شأناً من التعليم الإلكتروني، ومع ذلك قصرت الجهود عن تجاوزها ومعالجتها، ولهذا ظلت المعاناة منها تحول دون كمال فاعلية العملية التعليمية ومخرجاتها، - وحتى لا يساء الفهم والتفسير، فهذه المعاناة لها تاريخ طويل وطويل جداً- ومن صور المعاناة المتجذرة، خلو جل المدارس من مظلات تقي الطلاب من لهيب الحر في شهري مايو ويونيه، ومن لسعات البرد في شهري يناير وفبراير، كذلك مازالت جل المدارس تعاني من عدم توفر المرافق التعليمية التربوية الضرورية من ملاعب وساحات، لممارسة الرياضة البدنية، والألعاب الرياضية المدرسية، كذلك الحال في المرافق الصحية، والإضاءة والتهوية والتكييف، والمظهر العام للمدارس في الداخل والخارج.
أما المعلمون فكان الله في عونهم، فجل المدارس لا يتوافر فيها غرف للمعلمين، فضلاً أن يكون لكل معلم مكتب خاص يحفظ فيه أوراقه، وجهاز حاسب آلي يتواصل من خلاله مع أقنية المعلومات ومصادرها ليثري خبراته ومواقفه التعليمية، أما الثلاجة ليشرب منها الماء البارد، والسخان ليعد منه كأس شاي أو خلافه، فهذه تعد من الكماليات التي لا يمكن أن يفكر فيها ويحلم بها.
أكرر مرة أخرى: هذه المعضلات قديمة، ولها تاريخ تراكمي طويل، فهي ليست وليدة الأمس القريب، بل هي معلومة لدى كل المعلمين الذين انخرطوا في سلك التعليم وخاضوا غماره حتى تقاعدوا منه، وهي ما تزال تراوح مكانها، وتعوق الهيئة التعليمية عن أداء مهماتها وواجباتها على الوجه الأكمل.
ولهذا، ومن أجل أن تكون الجهود والإنفاق الذي يصرف في مشروع الملك عبد الله لتطوير التعليم في الاتجاه الصحيح، لابد من مراجعة أي الأمرين أحق بالعناية والاهتمام والأولوية؟ البيئة المدرسية، وتهيئتها لتكون جاذبة للطلاب، مريحة للمعلمين، أم التعليم الإلكتروني، ومتطلباته المادية الباهظة، ووجوب تعميمه على كل المدارس، أجزم أن العقل والمنطق يقولان: الأولى أحق بالعناية والاهتمام والأولوية من الثانية، وإن أخذ بالأمرين معا فذاك فضل وخير بلا شك ولكن يحول أمام الأخذ بالخيارين معا (خرط القتاد) كما يقال.