يستاءُ بعضُنا حين يرى انحراف الحوار العلمي من المناحي الموضوعية إلى الشخصية، ولو فتشنا في أوراق التأريخ الثقافي القريب والبعيد لما عجبْنا، ويُروى عن مالك بن دينار قوله: (يُؤخذ بقول العلماء والقراء إلا قول بعضهم في بعض فإنهم أشد تحاسداً من التيوس)، وللإمام الذهبي رأي في أن كلام الأقران لا يعبأ به، ومثله لابن حجر، وألَّف ابن الجوزي كتابه في (تحاسُد العلماء)، وفي عِلم الجرح والتعديل أن (المعاصرة حجاب)، وللشيخ الدكتور علي جمعة مفتي مصر مقالٌ وافٍ بهذا الشأن (2005).
* لا ضيْر إن غضب بعض الكبار من بعض، وإن تجاوز بعضهم على بعض، ولا بأس إن وقفنا منهم موقفاً توسطياً؛ فلم نقبل شهادة بعضهم في بعض، وحفظنا لكلٍّ مكانه ومكانته، وحين زار (طه حسين) جدة، ألقى أديبٌ راحلٌ كلمةً أشار فيها إلى (العقاد) وغمز من قناة العميد الذي رد مستشهداً ببيت جرير:
أبني حنيفةَ أحكموا سفهاءَكم
إني أخافُ عليكم أن أغضبا
* ولم يكمل (أبو مؤنس) فقد اكتفى:
أبني حنيفة إنني إن أهجُكم
أدع اليمامة لا تواري أرنبا
* رحم الله الأربعة الذين تعود ذكراهُم مع امتلاء ساحة المنتديات الشبكية بالأسماء الحركية التي تُهاجم رموزاً ثقافية كبيرة لا تقلُّ في زمننا عن قيمة الكبار في زمنهم.
* لم يتوار أديبُنا العطّار؛ فقد وقف شخصاً وصوتاً، وواجه بجرأة وصراحة، أما أولئك المقنَّعون - وفيهم ذوو المصلحة والهوى- فقد أطلقوا مفاتيح أجهزتهم ليبقى أكثرهم بلا اسم ولا رسم، وليخوضوا فيما يحسنون وما لا يحسنون، وتجيءُ وسائط ثقافية علنيّة بممارسة مشابهة؛ فتلجأ لاستكتاب أسماء مستعارة أو تتحيَّز لتوجُّه دون آخر؛ أعلنت ذلك أم أخفته، وهنا الخلل الأكبر.
* الحوار نورٌ لا نارٌ.
Ibrturkia@hotmail.com