كثيراً ما توقفني أتفكر متأملة أرتال الأجساد في الصباح الباكر للعمال الذين يكدحون ويتعبون ويرهقون ويتحملون مشاق أعمالهم التي لا تتساوى بما يقوم به المرفهون في المكاتب المكيفة وخلف المكاتب الراقية.. وتتوافر لهم دعة الجو وراحة المكان وسهولة التواصل مع جهات أعمالهم؛ لذلك لا تتبدل ألوان وجوههم في آخر النهار ولا تدكن خامات ملابسهم في آخره؛ فهم كلما مال ما فوق رؤوسهم أو رؤوسهن كانت المرايا أول ما تحملها إليهم أيديهم أو أقدامهم.. أما أولئك الذين تسخن المياه في آنياتها وهم يصهدون في الشمس، أو تئن ظهورهم كلما ثقل عليهم العبء، أو تكل عيونهم كلما داهمها التراب.. أو الشمس.. أو لفحات البرد يحملون الأثقال أويواجهون النفايات..
أو ينظفون المرافيء والطرقات.. أو يحرسون المنافذ والمنشآت..، أو يقودون الحافرات.. والرافعات ..، هؤلاء ينظر لأعمالهم باستخفاف، لا يوضعون في قائمة ذوي الأعمال المهمة, لذلك هم آخر من يفكر في راحتهم أو في تأمين حياتهم.. هم الفئات التي لا منازل اجتماعية لها فلا وجاهة تمكنهم من صدارة.. ولا صوت يمكنهم من وصول، ولا قدرة تحقق لهم شفاعة لا عند مرض ولا عند حاجة لعون ولا عند اضطرار لعلاج.. هذه الفئات لولاها ما تيسَّرت الحياة ولا تمهدت الطرق ولا أضاءت الدور ولا رفعت المنشآت.. ولا قضي على التلوث ولا نظفت أوجه المدن ولا أمنت منافذ الدروب.. والمباني.
حين كتبت عن عودة وأحمد حارسي مدخل مركز الطالبات في الجامعة يوم الثلاثاء.. تقديراً لمن عمل معي سنوات، وكانا - ولا يزالان- أنموذجا للعمل والأمانة والمثابرة.. فلأنني أؤمن بأن سعادة النفس أن لا تغفل عمن يستحق وأثمن ما أملك قلمي، فإذا بمهاتفات ومراسلات وتعقيبات تملأ أمامي نافذة القراءة في الهاتف وموقع الجريدة والمستقبل الآلي.
أيقنت بأن الناس لا تزال على قيمها.. فمتى نجد أن المعايير في النظرة للإنسان تعطي كل ذي حق حقه..؟
وفي وقته وليكن معه الشكر ومع الشكر الدعم.. بما لا يمايز بين الناس إلا بمستوى الجهد وناتج العمل؟
متى يعود كل كافل لأولئك الكادحين الخارجين فجرا مكدسين في عربات نقل كالجثث الذاهبة للمنفى.. بعضهم يتلبَّد في ملابسه برداً، وآخرون تنكسر رقابهم إجهادا فوق كتوفهم.. ناهيك عن مسحات التعب والحزن والغربة والجوع التي تعمر وجوههم.. ؟
ومتى يفرح الصابرون بكلمة شكر ولفتة تقدير كفرحة عودة وأحمد يوم الثلاثاء.. ؟