تحقيق - عبد الله الرزقي:
أُثيرت هذه الأيام بين بعض الأدباء والمثقفين مسألة أن العمالقة لم يكونوا وطئوا المدينة المنورة وأن العمالقة ليس لهم من الصفات الجسدية أي صفة، ولتتضح الصورة فقد رأينا أن نتناول وجود العمالقة في الحجاز بصورة عامة وفي المدينة بصورة خاصة معتمدين في ذلك على عدد من المراجع التاريخية ولسنا بذلك ندخل في سجال مع أي طرف وإنما نحن نبيّن ونعرض لذلك كحقائق تاريخية ضمَّنها مؤرخون كتباً لهم كانت وما زالت قيمة ونسأل من يشكك في العمالقة كأمة أو كقبيلة كانت بأمهات مدن الحجاز فنقول بادئ ذي بدء من أين جاءت لفظة عمالقة وما أصلها ولماذا أطلقت على فئة العمالقة؟ دون سواهم فاختصوا بها وللإجابة على كل ذلك نستجوب أصحاب الفصل التاريخي.
كثير من المؤرخين وأهل الإعراب والنقد صرفوا النظر عن ربط الاسم المُسمى لعلهم رأوا أنه ليس من الضروري أن تكون الصفة الاسمية دلالة على من يحملها فتقول إن هذا الرأي قد يكون سائداً في حقبة زمنية محدودة، وقد يكون ذلك في جماعة أو أفراد عَرَضاً أو استثناء أما أن يكون اسماً مثل اسم العمالقة يطلق على أمم ضمت قبائل بائدة فلم يأت ذلك من فراغ ولا شك أنه قد اشتق اشتقاقاً من حال ووضح ما كان عليه العمالقة وفي الاشتقاق نعلم أن هناك كتاباً أُلف للمؤرخ ابن دريد في الاشتقاق.. في اشتقاق أسماء القبائل.. إذن من أين اشتق العمالقة؟.. ندعكم أيها القراء الكرام مع ضيف التقرير ابن منظور عن اشتقاق عمالقة لسان العرب ج 6 ص 448 - فماذ يقول؟
عملق - العملق - الجور والظلم.
والعملقة: اختلاط الماء في الحوض وخثرته وحكى ابن بري عن ابن خالوية العملق الاختلاط والخثورة ولم يقيده بماء ولا غيره وعملق ماؤهم قلَّ والعملاق الطويل والجمع عماليق وعمالقة وعمالق بغير ياء الأخيرة نادرة وعملق وعمليق وعملاق.
أسماء - والعمالقة من عاد وهم بنو عملاق قال الأزهري عملاق أبو العمالقة وهم الجبابرة الذين كانوا بالشام على عهد موسى عليه السلام.. وقال العماليق والعمالقة قوم من ولد عمليق بن لاوذ بن ارم بن سام بن نوح وهم أمم تفرقوا انتهى ما تقدم لابن منظور.
من خلال النص السابق يتحقق أن للعمالقة خاصية تتميز بها وهي الطول وذلك في قوله العملاق الطويل كما تحقق نسبهم ومن خلال النص السابق في كونهم من ولد عمليق ونحن في هذا لا نذهب مع من بالغ في صفات خارقة ليست لهم ولسنا مع من ينكر أن من صفاتهم العملقة وأن من صفاتهم الطول ولقد أورد أبي جعفر محمد بن جرير الطبري في كتابه تاريخ الأمم والملوك (تاريخ الطبري) المجلد الأول صحيفة رقم 125 ما يشير إلى أن جزءاً من أولئك العمالقة وصلوا بعد تفرقهم الحجاز والمدينة المنورة فإلى ما ورد بالكتاب المُشار إليه: عمليق أب العماليق كلهم أمم تفرقت في البلاد إلى قوله: ومنهم كانت الجبابرة بالشام الذين يُقال لهم الكنعانيون ومنهم كانت الفراعنة بمصر وكان أهل البحرين وأهل عمان منهم أمة يسمون جاسم وكان ساكنو المدينة منهم بنو هف أو هيف وسعد بن هزان وبنو مطر وبنو الأزرق إلى قوله وكان ساكنو الطائف منهم بنو عبدين ضخم.
وهذا جواد علي في المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام ج الأول ص 346- ما نقتطف منه بما يؤيد ما نحن بصدده: عمليق جد العمالقة إلى قوله وكان من العمالقة أهل المدينة ومنهم بنو هف وسعد بن هزان وبنو مطر وبنو الأزرق.. انتهى.
وفي الجزء الرابع من المفصل في صحيفة رقم 129 في السطر الرابع أورد في بحث يثرب وسكنها العماليق ونختم في التدليل على نزول العمالقة بالحجاز بمصدر من مصادر التاريخ ألا وهو شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام للمؤرخ أبي الطيب تقي الدين محمد بن أحمد الفاسي المكي المالكي قاضي مكة المكرمة حيث أورد في صحيفة رقم 563 ما نصه وعمليق الذي ذكره الزبير بن بكار هو عملاق الذي ذكره ابن إسحاق لأن ابن هشام قال بعد ذكره لخيره فيه ذكر العماليق وهم ولد عملاق ويُقال عمليق ابن لاوذ بن سام بن نوح.
وأورد في صحيفة رقم 566 ما نصه قال الفاكهي حدثنا عبد الله بن عمران المخزومي العايدي قال حدثنا سعيد بن سالم القداح قال: قال عثمان بن ساج أخبرنا محمد بن إسحاق قال كان البيت في زمن هود معروفاً والحرم قائماً فيما يذكرون والله أعلم وأهل مكة يومئذ العماليق وإنما سموا العماليق لأن أباهم عملاق بن لاوذ بن سام بن نوح، وكان سيد العماليق فيما يزعمون يومئذ رجلاً يُقال له بكرم معاوية وهو الذي نزل عليه وفد عامر حين بعثوا إلى مكة يستسقون... وفي (ص 567).
وعن سلمة بن الفضل أورد قول ابن إسحاق عن حديث محمد بن عبد الرحمن عن عروة بن الزبير قال كانت الحجاز أسحر أرض الله وأكثرها ماء وإنما كانت الحزق مظلة عليها قال يقول عروة لقد بلغني أن العماليق تسرح بها في الغداة الواحدة ألفا ناضح بين أحمر وجون (انتهى).. إذاً ومن خلال ما تقدم يتضح لنا بجلاء أن المدينة المنورة من أقدم مدن العالم قاطبة بدليل وجود العمالقة بها ليس من البعيد أن يكون تحت الانقاض أو في أماكن غير معروفة وجود آثار تعود لتلك الحقبة الزمنية -إن علينا أن نقابل الخرافات واللا معقول واللا مقبول وبالمقابل فإن علينا التسليم والقبول بما يثبت بنصوص تاريخية ويؤكده العقل والمنطق والنقل فالثابت أن العمالقة كانوا بالحجاز وبالمدينة.