تقدمت وزارة الصحة في المملكة العربية السعودية بشكوى قضائية ضد شركات التبغ تطالب فيها بتعويضات مقدارها عشرة مليارات ريال إضافة إلى 500 مليون تعويضا سنويا نتيجة المبالغ التي تكبدتها الوزارة في علاج المتعاطين للتبغ بكافة أنواعه، ومنها الجراك (الشيشة أو المعسل).. وكانت الوزارة قد لاحظت - وكما هو معروف - أن نتائج التدخين قد ضاعفت الأمراض وجعلت علاجها صعباً ومعقداً مما يكلف مبالغ طائلة ويتلف أجهزة غالية. ووزارة الصحة حينما تقدمت بتلك المطالبة فإنما تتقدم بطلب حق مشروع فالأمراض لا حد لها، ويأتي في مقدمتها أنواع من السرطان والسل الرئوي والدرن وأمراض القلب والشرايين، وقد اعترفت بذلك شركات تصنيع الدخان بأنواعه والشيشة وغيرهما. ومن المحزن ما قرأناه أخيراً من استهداف الموزعين لتلك السموم للشباب الصغار بعد أن بدأ يقل إقبال الكبار عليه، فقد نشر مؤخراً أنّ بعض الموزعين يرمون علب الدخان المليئة عند أبواب المدارس دعاية وترغيباً للطلاب في التدخين.
ومن المحزن كذلك والمخجل أنه لا يزال من المدخنين اليوم أناس هم قدوة وواجهات تربوية وتوجيهية، فلا يزال بعض الأطباء حماة الصحة ورعاتها يدخنون، ولا يزال بعض المدرسين ممن ابتلي بتلك السموم بأنواعها وكذلك فإن بعض الموظفين العسكريين والمدنيين من المتعاطين لتلك السموم.
ومع توجيهات الدولة بمنع التدخين في الدوائر الحكومية عسكرية ومدنية إلا أنّ بعض ضعاف النفوس مصرون على التدخين عند الأبواب وفي أماكن أخرى.
نأمل أن يكون في خطوة وزارة الصحة بمحاكمة المستوردين ردعاً عن التمادي في القتل البطيء للنفوس وتدمير أغلى ما نملك وهو صحتنا وصحة الأجيال القادمة، ونحن نعرف أنَّ التدخين السلبي الذي نتعرض له جميعاً من مخالطة ومقابلة المدخنين لا يقل خطراً عن التدخين الايجابي الذي يقدم عليه نفر غير مبال من الناس. كما أننا نأمل من المديرين في جميع الدوائر الحكومية ومنها المدارس الحزم في تطبيق الأوامر السامية في منع التدخين ومعاقبة المخالفين.
أما الآباء والأمهات فإنهم لو شكا أحد أولادهم جُرحاً في اصعبه أسرعوا وبادروا في الذهاب به لأقرب مستشفى لعلاجه - وهذا أمر طيب وواجب - ولكن هل يعلم الاب وهل تعلم الأم أنهم ان ابتلي أحدهما أو كلاهما بالتدخين أو الجراك فإنه يجلب الأمراض الخطيرة لأبنائه وبناته وهي أمراض أشد وأخطر مئات المرات من جرح الاصبع؟! فهل من وعي حضاري وحس إيماني يدفعنا لمحافظة على ما منحنا الخالق سبحانه من صحة وعافية ومال وثروة، وأن نحكم في اختيارنا العقل لا العاطفة والحكمة لا التهور وننبذ التقليد الذي لم (نكسب) منه إلا الندامة والأسى.. لعل وعسى.
عضو الجمعية العلمية السعودية للغة العربية.