في اليوم الثاني عشر من شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2008م الموافق 14 ذي القعدة 1429هـ كان خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز على موعد مع قادة العالم وتلبية لدعوته لهذا اللقاء التاريخي في مقر الهيئة العامة للأمم المتحدة للاستماع لبيانه نيابة عن الأمة الإسلامية التي يتجاوز عدد سكانها ما ينوف عن مليار ونصف المليار، موزعة في القارات الخمس حيث شرح مبادئ الشريعة الإسلامية من حوار الأديان والحضارات والثقافات والذين يمثلون الأديان السماوية الكتابية، اليهودية، والنصرانية والإسلام، تلك المبادئ السماوية التي حملها الوحي جبريل عليه السلام لابلاغها لرسول الإسلام وخاتم الأنبياء والرسل محمد صلى الله عليه وسلم منذ ما يزيد عن أربعة عشر قرناً في قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ}كما قال: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}.
وأمر الله تعالى رسوله عليه الصلاة والسلام أن يقول لكافة المؤمنين من أصحاب الرسالات: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا}وأن ننفذ إرادة الله تعالى الذي يقول في كتابه القرآن العظيم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ}.
وكان هدف خادم الحرمين الشريفين من هذا اللقاء العقائدي موضحاً بأن العقيدة الإسلامية التي أراد الله الخالق العظيم بها اسعاد البشرية التي رسمت للإنسان طريق الأمل والخير للبشرية عامة هي التي تحقق العدل والمساواة والتسامح بين الإنسان والإنسان الآخر.
وبكلمة مختصرة ومفيدة لكل إنسان وأمام هذا الحشد العالمي الكبير اختتم الملك عبدالله كلمته بالآية الكريمة من سورة الحجرات: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}.
وبهذه الآية الكريمة ذكر خادم الحرمين يحفظه الله الحضور وجميع الأمم والشعوب بأن القرآن العظيم قد شمل أخبار كل الرسل والأنبياء من أهل الكتاب، وطلب الخالق العظيم من كل مؤمن ومسلم الاعتراف بجميع الرسل وبرسالاتهم السماوية المنزلة من السماء على كل منهم، وما قاله الله تعالى في سورة النساء: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}.
وجاء في الكتب الإسلامية التي وضعها صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح رضوان الله عليهم عن تفسير هذه الآية الكريمة: بأن الله تعالى قد أخبر الناس أنه خلقهم من نفس واحدة وجعل منها زوجها، هما آدم وحواء، وجعلهم شعوباً وقبائل، وبعد القبائل، مراتب أخرى كالفصائل، والعشائر والعمائر، والأفخاد وغير ذلك، وقيل المراد بالشعوب بطون العجم، وبالقبائل بطون العرب، والأسباط بطون بني إسرائيل.. (والقصد والأمم في معرفة أنساب العرب والعجم).
فجميع الناس في الشرف بالنسبة الطينية إلى آدم وحواء عليهما السلام سواء، وإنما يتفاضلون بالأمور الدينية وهي طاعة الله تعالى ومتابعة رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولهذا قال تعالى بعد النهي عن الغيبة واحتقار بعض الناس بعضاً، منبهاً على تساويهم في البشرية.. أي ليحصل التعارف بينهم كل يرجع إلى قبيلته.. وهم يتفاضلون عند الله تعالى بالتقوى لا بالحساب.
وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الناس أكرم؟ قال: {أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} قالوا لرسول الله: ليس عن هذا نسألك. قال: (فمن معادن العرب تسألوني؟) قالوا: نعم. قال: (فخياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المسلمون اخوة لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى) وقال: (إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم) من كتاب تفسير الإمام الجليل أبي الفداء إسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي المتوفى سنة 774 هجري.
ولهذا علم رسول الله صلى الله عليه وسلم الإنسان (بأنه لا فرق في اللون بين الأبيض والأسود والأحمر، ولا فرق بين الفقير والغني والضعيف والقوي كلهم عبد الله، وأن الجميع من الملك وحتى العبد الزنجي كلهم سواسية أمام الحق وعند الحساب، وأن الرحمة والغفران بيد الله وحده لا ينازع منازع في هذه الصلاحيات من الأنبياء والرسل صلوات الله عليهم جميعاً.
وعلم رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم البشرية أمر التواصل والتراحم بين ذوي الرحم والأقرباء وأن يبر الابن والديه، وأن يرحم الوالدان أولادهما، ويعطف الأخ على أخيه ويكرم الزوج زوجته، وتطيع الزوجة زوجها.
لقد جاء الإسلام ليقضي على همجية القتل والعنف والاعتداء على الآخرين وليقيم الاخوة والمحبة والمودة بين البشرية وليملأ القلوب حكمة ورحمة لكل إنسان على كوكب الأرض.
وقال الله تعالى في مستهل كتابه القرآن العظيم في مطلع سورة البقرة النص الآتي: {ألم ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.
وأجمع صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في تفسير تلك الآيات الخمس وهم ما ورد عن الحاكم في مستدركه رضي الله عنه فقال:
(لقد تغدينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا أبو عبيدة بن الجراح الذي قال: يا رسول الله هل من قوم أعظم منا أجراً؟ آمنا بالله، واتبعناك! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما يمنعكم من ذلك ورسول الله بين أظهركم يأتيكم بالوحي من السماء! بل قوم بعدكم يأتيهم كتاب الله من بين لوحتين يؤمنون به ويعملون بما فيها، أولئك أعظم منكم أجراً مرتين). من كتاب تفسير القرآن العظيم للإمام ابن كثير طيب الله ثراه.
لذلك كانت كلمة خادم الحرمين الشريفين أمام هذا الحشد العالمي الكبير توضيحاً لحكومات دول العالم وشعوبها لمحاسن الشريعة الإسلامية ولموقف جميع المسلمين الذين يقيمون على كوكب الأرض من ضرورة الحوار الحضاري مع الديانات السماوية، فالجزيرة العربية كانت مهبطاً لرسالات السماء والدولة السعودية تقوم برعاية المقدسات الإسلامية المسجد الحرام في مكة المكرمة التي قام فيها البيت العتيق الذي أوجده الله تعالى لعبادته وهو قبلة المسلمين ويتجهون إليها خمس مرات في اليوم لتأدية صلواتهم وعباداتهم وتأدية فريضة الحج كل عام والزيارة والعمرة، إلى جانب المسجد النبوي الشريف في مدينة يثرب التي كانت مقراً دائماً لرسول الإسلام عليه الصلاة والسلام وأقام فيها الدولة الإسلامية الأولى بعد أن هاجر من مكة حاملا لواء إصلاح الدين، ولكن عارضته قبائل قريش وبذلت قوتها ومالها لتمنع انتشار الخير عن الدنيا.
إن رسالة الإسلام لم تكن خاصة - بمكة - ولم تكن لبلد واحد، ولا لطائفة معينة، بل كانت شاملة لكل الإنسانية وبسبب عناد قبائل قريش لهذا التكليف الإلهي لرسول الإسلام صلى الله عليه وسلم وتنفيذ شريعة السماء، قال رسول الله لقبائل قريش المشركة: (افتحوا لي الطريق لأخرج إلى الأرض الفضاء، فأنصر الضعيف، وأنجد المظلوم، وأعيد للبشرية كرامتها، وللعقل سلطانه).
وعندما نزل الوحي على رسول الإسلام ليقول لقريش المشركة: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَن مَّعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَن يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ}.
كما نزلت على رسول الله الآيات لأصول الدعوة الإسلامية وآدابها في قوله تعالى: {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}.
وتفسير هذه الآية كما ورد في كتب التفسير: أن الله أمر نبيه صلى الله عليه وسلم وهو سيد المرسلين أن يخبر كل حي بما أنعم الله عليه من الهداية إلى صراطه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف (ديناً قيماً) (أي قائماً ثابتاً) {مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}.
وبهذه الثوابت التي قامت على أرض المملكة العربية السعودية استطاع الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه عند قيام الدولة الحديثة أن يضع واقعاً جغرافياً وواقعاً دينياً مستمداً سلوكه من شرع الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
فالجزيرة العربية هي قلب العالم الإسلامي، والوطن الروحي للإسلام وما زالت مسرح الجهاد الإسلامي كما كان سكانها العرب في الماضي البعيد أبطال هذا الجهاد في هذا الميدان الجليل وستظل على طول الدهر مصدر كل خير وإنسانية وبركة على الأمتين العربية والإسلامية وعلى دين الإسلام، لأن القيادات السعودية التي تعاقبت على تولي المسؤولية بعد وفاة المؤسس الأول وبتوجيه منه أن تكون المملكة مرتبطة ارتباطاً روحياً وثيقاً بمشاعر مختلف الشعوب العربية والإسلامية، ولا يمكن لأية تيارات معادية للإسلام أن تنال أو تبدل من حقيقة هذا الشعور الإنساني المتأصل في نفوس أبنائها، لأن الملك عبدالعزيز صاحب مدرسة إنسانية وكان عهده نقلة نوعية حضارية مهمة أحدثت تطوراً ونمواً متكاملاً على أرض الجزيرة العربية.
ومن هذا التصور الراسخ في ذهن الملك عبدالله يحفظه الله ومن إيمانه الثابت برسالة السماء لأمة الإسلام كان منذ سنوات مضت يقوم بخطوات جبارة لنشر رسالة الإسلام التي تقوم على الوسطية والتسامح بين الديانات السماوية الأخرى، فالحاجة ملحة لابراز شريعة الإسلام على حقيقتها وتحقيق المحبة والسلام العادل على كوكب الأرض، فالمملكة تحمل برنامج عمل واضح لعامة المسلمين ولجميع البشرية وقد متعها الله بميزة خاصة في مجال الدعوة الإسلامية وقد كان والده العظيم قد جمع حوله دعاة الحق وأنصار الفضيلة لتوحيد الصف الإسلامي، لذلك بدأ الملك عبدالله منذ أن كان ولياً للعهد بوضع الخطوات اللازمة التي تدعو للسلام في هذا العالم وتابع خطواته الجريئة منذ أن تولى قيادة المملكة للقيام بحوارات حضارية ثقافية مع العالم أجمع لأن الحوار من حيث المبدأ ظاهرة ايجابية صحية ومن الواجب الحرص كل الحرص حتى لا تتحول النعمة إلى نقمة، وأن أي حوار لا يلتزم بمنهج الحوار وقواعده وآدابه يتحول إلى فوضى لا تغني ولا تسمن من جوع وتضر ولا تنفع.
وأكد الملك عبدالله في مناسبات عديدة أن هذا الوطن لن يرضى أبداً أن يمس أحد كائناً من كان عقيدته الإسلامية باسم حرية الرأي أو بأي اسم آخر، إن المجتمع السعودي يستمد كل مقومات وجوده من الدستور الإلهي الخالد القرآن العظيم والسنة المطهرة وسوف يظل الوطن السعودي إن شاء الله وطناً مسلماً عربياً حراً يتمتع كل مواطنيه بالعزة والكرامة والأمان لا فرق بين مواطن ومواطن.
ونص كتاب الله تعالى في محكم آياته: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}.
واستناداً لكتاب القرآن العظيم كانت رسالة الإسلام منهاجاً شاملاً للحياة وضع لكل فرد مسلم إطار حياته، ورسم حدود علاقاته المختلفة وبين موقعه في كل الأحوال في منهج حكيم وطريق قويم بينه وبين القرآن الكريم.
فالمملكة العربية السعودية تتمتع بميزة إلهية خاصة عن غيرها من الأمم الأخرى، لأن لديها كتاب الله العظيم، مع سنة رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم، فيهما نور الهداية الأبدية ما يضمن لهم التنبه إلى دسائس الشيطان، والاهتداء إلى الطريق القويم في جميع شؤون حياتهم.
وأمام هذه الوقائع التي حققها خادم الحرمين الشريفين في كل حواراته ومع بابا الفاتيكان في روما وفي الحوار بين الأديان في مدريد وفي اجتماعات الأمم المتحدة أخيراً فقد استطاع حفظه الله أن يضع المملكة العربية السعودية في مصاف الدول العظمى لتشارك في صناعة القرارات الدولية والمالية منها التي تخدم البشرية عامة دافعاً الإنسانية في طريق الحياة الأفضل، وهو يتحلى بصفات القائد السياسي العربي الإسلامي المفضل لشرح مبادئ العقيدة الإسلامية السمحة التي أرادها الله تعالى.
وبهذه الروح الطيبة وبهذه الطوية السليمة وإيمانه القوي بالله تعالى كان ينظر رعاه الله بنظرة مليئة بالوعي للتاريخ الحالي والهزات السياسية والمالية التي شهدها العالم واندفاعه نحو المستقبل لانقاذ البشرية من خلال تحقيق الأمن والسلام العادل لجميع شعوب العالم بعد أن ابتلي العالم بأحداث جسام ومن أزمة مستعصية في الأخلاق، وقد نال التأييد الكامل من الوفود العالمية ومن قادة الدول الكبرى للسير في خطواته وإصلاح ما أفسده التاريخ الماضي للإنسانية.