كان المنتدى الاقتصادي العالمي (دافوس) قد نشر قبل أسابيع في تقرير تراجع المملكة في مؤشر الفجوة العالمية بين الجنسين من المرتبة 124 في عام 2007 إلى المرتبة 128 في 2008 لتكون ضمن الدول الثلاث الأقل مساواة مع تشاد واليمن كما جاء في التقرير.
أحد الأصدقاء علق على هذه المرتبة المتأخرة و(المعيبة) بالقول: (السبب اجتماعي، وليس قصوراً إدارياً. فالمفهوم الذي تكرس ضمن عقود بتحريم الاختلاط، والعزل المتعسف بين الجنسين يأتي في طليعة الأسباب). قد يكون هذا صحيحاً. غير أن هناك الكثير من القضايا التي كان يرفضها المجتمع، ورغم ذلك استطاع (السياسي) أن يفرضها، ومع الزمن تعود عليها الناس. أهم هذه القضايا تعليم المرأة، وإلغاء الرق، وإنشاء التلفزيون، والموسيقى في الإذاعة، وغيرها.
والذي لا يدركه الممانعون لما يسمونه (الاختلاط)، الذي هو السبب الرئيس لهذه الترتيب (المخجل)، الذي يضعنا في ذيل الأمم، أن ذلك مرتبط ارتباط السبب والنتيجة بالتنمية البشرية، والتي تتمحور عليها - كما يقول المتخصصون - التنمية الاقتصادية، التي من خلالها سنعالج الكثير من (عللنا) على كافة المستويات. أعطني اقتصاداً قوياً أعطيك مجتمعات مستقرة متماسكة منتجة قادرة على احتواء ما ينشأ فيها من مشاكل، وإفراز الحلول. غير أن المشكلة أن الخطاب المتشدد الذي يفرض علينا هذا العزل التعسفي، الذي يمس أول ما يمس حقوق المرأة، لا يهمه الجانب الاقتصادي، وليس في قواميس مفاهيمه شيء اسمه (اقتصاد)، أو ما يترتب على هذا الفصل من تبعات أخلاقية نتيجة حرمان المرأة من أن تتلمس رزقها، قدر ما يهمه أن يفرض رأيه، وينزع من المرأة التي تختلف معه، حقها حتى في (الاختيار)، الذي هو من بديهيات حقوق الإنسان.
وأنا هنا لا أطالب أن نكون في مقدمة الدول من حيث المساواة بين الجنسين، كلما أطمع إليه أن نبتعد لو قليلاً عن (القاع)، ونأتي قريبا في الترتيب من الدول المجاورة لنا، والتي نشترك معها إلى حد قريب في العادات والتقاليد. فحسب التقرير جاءت الكويت في المرتبة 101 في المؤشر لتحافظ على صدارتها للسنة الثالثة بين الدول العربية، تتبعها تونس في المرتبة 103 والأردن في المرتبة 104 والإمارات في المرتبة 105
ولا يغيظني أمر مثل أولئك الذي يربطون هذا العزل التعسفي، الذي ما أنزل الله به من سلطان بالإسلام. فهل يعقل - أيها السادة - أن كل الدول الإسلامية، التي تتعامل مع الموضوع بوسطية، وتتيح قدراً معقولاً من الاختلاط، ملتزمة فيه المرأة بالحجاب الشرعي، بعيداً عن التزمت، جميعهم على خطأ، بينما نحن واليمن وتشاد المسلمون الحقيقيون؟
قليل من العقل يرحمكم الله. إلى اللقاء.