القاهرة - الجزيرة
أشار آخر تقرير للبنك المركزي المصري إلى ارتفاع حجم النقد الأجنبي إلى 34.5 مليار دولار، يقوم البنك المركزي بادخارها في شكل سندات حكومية أمريكية وأوروبية، أغلبها في الولايات المتحدة ولكنها مضمونة حكومياً، لكن فيما يتعلق بأرصدة البنوك المصرية في الخارج والتي تقدر بنحو 26 مليار دولار، فهناك خطورة على هذه الأموال، لكن حجم الخطورة ليس كبيراً؛ لأن جزءاً كبيراً منها خاص بفروع بنوك أجنبية وجزءاً آخر خاص برءوس أموال بنوك تكونت بالدولار والجزء الباقي ودائع المواطنين ولا تزيد على 15 مليار دولار، وعلى الرغم من أن البورصة المصرية لم تتأثر بالأزمة حتى نهاية الأسبوع الأول من أكتوبر إلا أن عمليات المضاربة أدت بعد ذلك إلى انهيارات كبيرة، وأعطى المضاربون الأجانب أوامر للسماسرة المحليين ببيع الأسهم لسد نقص في السيولة تعرضوا له في الخارج مما أدى إلى زيادة المعروض وانخفاض الأسعار وبالتالي انهارت الأسهم لتفقد في يوم واحد 16.5% من قيمتها. وأدت كذلك الشائعات وانخفاضات سندات الإيداع في الأسواق الأوروبية والأمريكية إلى مضاعفة خسائر البورصة المصرية لتصل إلى 27% في أقل من أسبوعين.
وتأثرت أسواق الأسهم المصرية بالأزمة المالية العالمية أكثر من قطاعات الاقتصاد الأخرى في البلاد حيث لم تؤثر على الاقتصاد الحقيقي وبخاصة القطاعان الزراعي والصناعي إلا أن المتوقع حدوث انخفاض في الصادرات المصرية خلال الفترة المقبلة نتيجة الركود في أكبر سوقين تصدر لهما مصر وهما الولايات المتحدة وأوروبا واللتان تستحوذان على 65 في المائة من الصادرات المصرية، كما يتوقع حدوث إلغاء لحجوزات سياحة وتأثر حركة السياحة الغربية إلي مصر، وأيضا انخفاض حجم التجارة الدولية وبالتالي تأثر عائدات قناة السويس وتراجع حجم الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر وخفض معدل المنح والمساعدات المنتظرة من الدول الأجنبية لمرورها بتلك الأزمة. وسيؤدي كل ذلك سيؤدي إلي صعوبة الحفاظ علي نفس معدل النمو والذي بلغ العامين الماضيين نسبة 7%.
ودعا الخبراء الحكومة المصرية لاتخاذ العديد من الخطوات لمواجهة الأزمة ومنها تشجيع الاستثمار المحلي من خلال حوافز الاستثمار والسيطرة علي البطالة إلى جانب البحث عن أسواق جديدة للصادرات المصرية. والاتجاه إلي تشجيع السياحة لجذب سياح من دول لم تتأثر بالأزمة، مثل روسيا والهند والصين والبرازيل وجنوب أفريقيا، وتحقيق المزيد من الرقابة علي البنوك وشركات التمويل العقاري وتوعية المتعاملين في البورصة بحجم وحقيقة الأزمة، فضلا عن فرض ضريبة على الأموال الساخنة(من يشتري ويبيع ويخرج من البورصة خلال ثلاثة أشهر). ووفقاً لمحللين اقتصاديين فإن الخطوات التي اتخذتها مصر علي طريق الإصلاح الاقتصادي والمصرفي خاصة خلال السنوات الماضية، أدت إلي الحد من تأثير الأزمة علي الجهاز المصرفي المصري. وتمثلت تلك الخطوات في إصدار قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي والنقد عام 2003، والذي يتضمن وضع حد أدني لرأسمال البنك، وقرار البنك المركزي المصري بشأن عدم جواز قيام أي بنك بالإقراض في مجال التمويل العقاري بما يزيد عن 5 في المائة من محفظته الائتمانية، وأيضا قرار البنك المركزي بعدم السماح لأي بنك مصري أن يضع في البنوك الأجنبية في الخارج ما يزيد على 10 في المائة من قيمة ودائعه، بالإضافة إلى الضمانات التي تعطيها الحكومة المصرية للمودعين في البنوك بدون نص في القانون بهدف حماية حقوق المودعين والسعي لحل مشكلة التعثر مثلما حدث مع بنك الإسكندرية في إعادة هيكلته وبيعه كما قام الجهاز المصرفي بعدد من الاندماجات المصرفية.
لكن في الجانب الآخر كان للأزمة فوائد على الاقتصاد المصري وأرجع خبراء اقتصاديون مصريون انخفاض معدلات التضخم في مصر بشكل ملحوظ خلال شهر سبتمبر الماضي إلى الأزمة المالية العالمية والتي أدت إلى تراجع أسعار السلع العالمية خاصة في مواد البناء والسلع الغذائية.
وقال الخبراء إن معدل التضخم في مصر قد هبط من أعلى مستوياته في يوليو الماضي عندما بلغ 25 في المائة إلى 21 في المائة خلال بنهاية سبتمبر الماضي.
ودعوا إلى ضرورة استغلال الحكومة المصرية الأزمة الحالية وإعادة فرض سيطرتها على الأسواق وعدم ترك الأسعار لأهواء التجار بما سيعيد الأمر إلى نقطة الصفر مرة أخرى. وطالبوا بضرورة العمل على رفع نسبة الاقتراض من البنوك فوق 50% وتخفيف للضمانات لأنه لا يوجد دولة في العالم تضمن بلا حدود.
وتوقع الخبراء أن تخرج أمريكا من الأزمة المالية الحالية أقل قوة اقتصادياً وسياسياً وأنه يجب إعادة النظر في قوانين التوريق والتمويل العقاري والتأجير التمويلي. ويقول الخبراء انه لا ردة عن العولمة والسوق المفتوحة ولكن ما يحدث الآن من أزمة مالية أدت لتعثر قطاع الإسكان والإقراض العقاري بالولايات المتحدة، مشيراً إلى تردد البنوك رغم أن السيولة موجودة في مصر ولكن المطلوب رفع نسبة الإقراض عن 50% وتخفيف الضمانات لأنه لا توجد دولة في العالم تضمن إقراضاً بلا حدود وإلا أصبحت الدولة هي الضامن لكل شيء. ونصحوا بضرورة تخفيض سعر الفائدة علي الاستثمار المباشر وعدم تشجيع الإقراض الاستهلاكي كما نصح أيضا بمساندة البورصة وتقديم الدعم المالي فمعظم المؤسسات الموجودة ضعيفة و70% من المتعاملين في البورصة أفراد.
وفي إطار الجهود الحكومية المبذولة لتعزيز الأوضاع الاقتصادية في ظل الأزمة الحالية قرر مجلس الوزراء المصري تخصيص 800 مليون جنيه لدعم مشروعات البنية التحتية. وقال رئيس الوزراء المصري أحمد نظيف إنه تم تخصيص 800 مليون جنيه من ال15 مليار جنيه التي كان قد قرر مجلس الوزراء ضخها في مشروعات البنية التحتية والخدمات الأساسية. وأوضح مجدي راضى المتحدث الرسمي باسم مجلس الوزراء إنه سيتم توزيع هذه المخصصات خلال الأشهر الباقية من السنة المالية الحالية بما يساعد على خلق فرص عمل سواء بطريقة مباشرة من خلال تنفيذ مشروعات، أو من النتائج التي سينتج عنها تنشيط الاقتصاد القومي من أجل مواجهة تداعيات الأزمة المالية العالمية. وأضاف أن نظيف طلب توجيه هذه المخصصات بصورة أساسية لمشروعات البنية التحتية في المراكز والقرى بصفة خاصة لاستكمال مشروعات الطرق والمياه والصرف الصحي وإزالة المخلفات الصلبة. وأشار راضي إلى أن وزارة التنمية المحلية ستوزع هذه المخصصات بصورة متكافئة بين المحافظات طبقا لعدد سكان كل محافظة، حيث سيتم تخصيص مبلغ عشرة ملايين جنيه لكل مليون نسمة.
الأزمة تشكل درساً للاقتصاد المصري
قال مجلس الوحدة الاقتصادية العربية الأزمة المالية العالمية الراهنة تمثل درسا للاقتصاد المصري والدول العربية من أجل المستقبل، منبها إلى أن تلك الأزمة أثرت بشكل سلبي على الاستثمارات العربية في الخارج وأصبحت في حكم الديون المعدومة). وقدر المجلس حجم الخسائر المتوقعة على مصر بنحو 4 مليارات دولار بما فيها انخفاض الاستثمار الأجنبي المباشر بنحو 25 في المائة وتراجع العائدات النفطية بنحو مليار دولار، إلى جانب تراجع الصادرات السلعية بنحو 2.2 مليار دولار وكذلك انخفاض تحويلات المصريين في الخارج والعائدات من قناة السويس. ودعا المجلس إلى ضرورة الاهتمام بالاستثمار المحلى والبنية التحتية والعمل على جذب الاستثمارات العربية خاصة الخارجية منها، وزيادة ضمان الصادرات والحد من قبول الأراضي والعقارات كضمان للقروض حتى لا تؤثر على الصادرات. وأكد على ضرورة إنشاء صندوق مصري لمواجهة أزمة الرهن العقاري كإجراء وقائي.
ودعا مجلس الوحدة الاقتصادية العربية،الأجهزة المسؤولة عن مفاوضات تحرير تجارة الخدمات في الدول العربية، إلى الإسراع بتقديم عروضها النهائية في إطار إبرام اتفاقية عربية لتحرير تجارة الخدمات إلى المجلس الاقتصادي والاجتماعي بجامعة الدول العربية وذلك بهدف تعزيز التعاون والتكامل في مجال تجارة الخدمات بين الدول العربية.
وأكدت الأمانة العامة لمجلس الوحدة الاقتصادية، في اقتراح لمشروع قرار يصدر عن القمة الاقتصادية العربية المقرر عقدها في الكويت يومي 19 و20 يناير المقبل، على ضرورة أن تشمل هذه العروض كافة مجالات الخدمات خاصة خدمات السياحة والسفر، والتشييد والبناء، والخدمات المهنية، والاتصالات، والخدمات المالية، وخدمات النقل، والخدمات التعليمية، والخدمات الصحية، على أن يتم الانتهاء من إعداد وتوقيع هذه الاتفاقية خلال ثلاثة شهور، لتعرض على الأجهزة التشريعية في الدول العربية للتصديق عليها ولتوضع موضع التنفيذ في موعد أقصاه نهاية عام 2009.
وأكد الأمين العام لمجلس الوحدة الاقتصادية العربية الدكتور أحمد جويلي على أهمية الإسراع في إبرام اتفاقية عربية لتحرير تجارة الخدمات وذلك في ضوء الأهمية الكبيرة التي أصبحت تحتلها تجارة التجارة في الخدمات في نطاق التجارة العالمية، والمستقبل الواعد لهذه التجارة، والدور الهام التي أصبحت تلعبه في تحسين موازين المدفوعات للدول وخاصة النامية، مشيرا في هذا الإطار إلى أن منظمة التجارة العالمية أولت منذ قيامها عام 1995 أهمية خاصة لموضوع تنظيم التجارة العالمية في الخدمات، وأفردت اتفاقا خاصا لتنظيم التجارة في الخدمات (جاتس).
وقال جويلي: (إن تلك الاتفاقية تكتسب أهمية كبيرة أيضا بالنظر إلى أن هناك 12 دولة عربية تتمتع حاليا بعضوية منظمة التجارة العالمية، كما تتفاوض 7 دول عربية أخرى حاليا للانضمام لعضوية المنظمة، لافتا إلى أن هذه الدول ملزمة بتقديم عروض محددة للدول أعضاء المنظمة بخصوص التزاماتها في إطار اتفاقية تجارة الخدمات).
وأضاف جويلي: (أن قواعد المنظمة تسمح في نفس الوقت لأي مجموعة إقليمية، في إطار سعى هذه الدول لتحقيق تكامل اقتصادي أشمل فيما بينها وزيادة حجم تعاملاتها التجارية البينية، سواء كانت منظورة أو غير منظورة، بتبادل معاملة أكثر تفضيلا بين دولها سواء بالنسبة للتجارة في السلع أو الخدمات، وبالتالي يمكن للدول العربية أن تضع اتفاقا عربيا إقليميا للتجارة البينية في الخدمات يكون أكثر اتساعا وشمولا في إطار التزاماتها قبل منظمة التجارة العالمية).
ولفت إلى أنه في ضوء أن اتفاقية تيسير وتنمية التبادل التجاري لم تتضمن أي مواد قانونية بخصوص تسهيل تجارة الخدمات، فقد أكد إعلان منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى على أهمية موضوع تجارة الخدمات بهدف رفع مستوى الاستفادة من قيام المنطقة.
وأشار جويلي إلى أنه على سبيل المثال، قدر التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2006 حجم تجارة الخدمات بين الدول العربية بحوالي 14 في المائة من مجمل تجارة الدول العربية، كما تقدر إحصاءات البنك الدولي المتوسط الإقليمي لنسبة التجارة في الخدمات إلى الناتج المحلى الإجمالي في المنطقة بحوالي 25.7 في المائة.
وكان المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع لجامعة الدول العربية قد اعتمد في عام 2003 عدة مبادئ حول تجارة الخدمات في إطار منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، وفى إطار هذه المبادئ، بدأت المفاوضات بين الدول العربية لإبرام اتفاق لتحرير تجارة الخدمات فيما بينها مماثل لاتفاقية (الجاتس)، حيث قدمت حتى الآن كل من مصر والإمارات والسعودية والكويت والأردن والبحرين وسلطنة عمان والمغرب وتونس ولبنان عروضا تتضمن التزامات محددة في إطار فتح قطاعات الخدمات التي ترغب في تحريرها.