اتسم العام الحالي 2008 بانفجار الفقاعات بالأسواق المالية فالنظام المالي العالمي على شفير الهاوية .. هكذا وصف رئيس وزراء فرنسا أحوال الاقتصاد الدولي، وبالرغم من تسارع الحلول والتدخلات الرسمية منذ نهاية العام 2007 بتخفيض أسعار الفائدة وضخ السيولة بالاسواق لإعادة الثقة لها، إلا أن ذلك لم يمنع إفلاس 19 بنكاً أميركياً بعضها من الأكبر عالميا كليمان براذرز, وفي أوروبا لم يكن الحال أفضل فبنوك بريطانيا تعاني الأمرّين ولا تختلف عنها بقية دول اليورو، إلا أن تحول الأزمة من مالية إلى اقتصادية لتصيب الاقتصاد الحقيقي بالصميم ليصبح على حافة الكساد وليس الركود فقط تظهر أن الحقائق لم تنكشف بعد.
فماذا سيحمل العام 2009 معه للعالم فشركات صناعة السيارات الكبرى بأميركا جي ام وكرايسلر وفورد أصبحت في مهب الريح، ولن تبقى الأكبر عالمياً فقد تضطر الى طلب الحماية من الإفلاس لترتيب أوراقها ولكنها بالمقابل ستبيع الكثير من علاماتها التجارية وقد لا يبقى لدى جي ام أكثر من ثلاثة أسماء لامعة بصناعة السيارات من أصل ثمانية والأمر ينطبق على البقية, وفي أوروبا توقفت كبرى الشركات عن الإنتاج لمدة شهر لامتصاص الآثار الكارثية المتوقعة، بل أصبحنا نسمع عن عروض اشتر سيارة واحصل على الثانية مجاناً فخارطة هذه الصناعة الكبيرة تتغير, وفي السابق اشترت شركة تاتا وهي هندية علامة همر من جي ام مما يعطي مدلولاً عن القادمون الجدد، ولن تقف الأحوال الكارثية عند صناعة السيارات فستلحق بها صناعات عديدة مرتبطة بها، فهناك عشرات بل مئات المصانع ترتبط بهذه الشركات وتؤمن لها احتياجها وسينجرف الأمر على صناعات أخرى كصناعة الطائرات والأجهزة المنزلية، مما يعني دخول شركات كبرى كجنرال الكتريك في مأزق انخفاض الأرباح بل قد تحقق خسائر إذا استمر تفاقم الكارثة وانتقالها من قطاع لآخر, ولعل أكبر دليل على ضعف الإنفاق التخفيضات الكبرى التي بدأت تقدمها محلات التجزئة بأميركا بحوالي 70 في المائة، ومن المعلوم أن أميركا تعتمد بقرابة 70 في المائة على إنفاق المستهلك الأمريكي. الحقائق التي انكشفت بالقطاع المالي والعقاري ليست الا البداية، فحجم الأموال التي دورت بالمشتقات المالية تقدر بحوالي 600 تريليون دولار، أي ما يعادل إنتاج الاقتصاد الحقيقي العالمي باثني عشر عاماً، فهكذا يكون حال الأسواق عندما تترك لتفرخ الفقاعات واحدة تلو الأخرى، فلم تتعلم أميركا من فقاعة شركات الدوت كوم التي انتهت في عام 2000 لتنجب المصيبة الأعظم والتي كانت في صميم النظام المالي العالمي، ويتم تصديرها للعالم كله حتى يشاركهم الحل، وبالتالي الهدف تآكل الفوائض المالية التي حققتها الاقتصاديات الناشئة والنامية بحجة المساهمة بإنقاذ العالم اقتصادياً، ولكن يبدو أنّ الأمور لا تسير كلها وفق ما ترمي له دول الغرب الرأسمالية، فلم تعد كل خيوط اللعبة بأيديهم والعالم يتبدل وقد لا نلحظ الأثر خلال عامين أو خمسة، ولكن بالتأكيد خلال عقد أو عقدين سيكون هناك قوة مختلفة، وهذا ما اعترفت به الدوائر الرسمية وغيرها في أميركا وأوروبا بأنّ التأثير الاقتصادي والسياسي سينخفض لصالح غيرهم خلال العقود القليلة القادمة، فديون أمريكا الحكومية والأفراد والشركات قاربت 37 تريليون دولار أي ما يعادل 250 في المائة من الناتج الكي لها، فماهو السيف الذي ستقارع به هذه الأزمة؟.
مسلسل كشف الحقائق سيبدأ من العام المقبل وسيحدد بشكل كبير ليس فقط حجم الكارثة، بل واقع الاقتصاديات العالمية وسيزرع بذور نشوء القوى الجديدة في العالم ليظهر صوتها بشكل قوي ومسموع، والسؤال يبقى: هل نعي في عالمنا العربي بأنّ هذه الأزمة ستفرز تحولات كبيرة يجب ان نخطط للتعامل معها ليكون لنا فيها نصيب كبير، أم سنبقى ننتظر النتائج لنعرف هل سيبقى الكبار هم أنفسهم أم نفاجأ بواقع جديد يستلزم التكيف مع الكبار الجدد؟.