دبي - الجزيرة
حافظ اقتصاد دولة الإمارات ومؤشراته المالية على قوته رغم الأزمة المالية التي عصفت بالعالم خلال النصف الثاني من العام الحالي 2008 وإعلان بعض مراكز القوى المالية والاستثمارية في الولايات المتحدة إفلاسها خلال شهر سبتمبر 2008 والتي تعمقت منذ أزمة الرهن العقاري في أمريكا. واتخذت الحكومة سلسلة من الخطوات كإجراءات وقائية من أي تأثيرات أو انعكاسات محتملة لهذه الأزمة على الاقتصاد الوطني والجهاز المصرفي المحلي. وفي هذا الإطار قررت الحكومة الإماراتية دعم وحماية القطاع المصرفي بمبلغ وصل إلى 120 مليار درهم (نحو 33 مليار دولار). وتم تكليف المصرف المركزي ووزارة المالية بوضع الآليات المناسبة لضخ هذه السيولة في القطاع المصرفي خلال الفترة المقبلة. كما صدر أمر بتشكيل لجنة مختصة تتكون من وزارة المالية والمصرف المركزي ووزارة الاقتصاد لمتابعة تنفيذ قرارات وإجراءات مجلس الوزراء في هذا الشأن.
وتأتي هذه الخطوات لتؤكد الحرص على توفير كافة الإمكانيات والضمانات اللازمة لدعم القطاع المصرفي في الدولة والتي تكفل الحفاظ على معدلات النمو القوية المتحققة للاقتصاد الوطني وحمايته من التقلبات المالية العالمية إضافة إلى تأكيد قدرة الحكومة على التدخل والاستجابة السريعة من أجل توفير الاستقرار للقطاع المالي والمصرفي في الدولة.
أضخم الموازنات
وكانت معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي قد ارتفعت في العام 2007 بنسبة 5.2 بالمائة بالأسعار الحقيقية و 16.8 بالمائة بالأسعار الجارية لتصل قيمة هذا الناتج إلى 729.7 مليار درهم في الوقت الذي تواصل فيه نمو الناتج المحلي للقطاعات غير النفطية بنسبة 16.8 بالمائة ليصل إلى 467.9 مليار درهم شكل 64.1 بالمائة من إجمالي الناتج المحلي مما يعد مؤشرا إيجابيا على نجاح سياسة الدولة في تأسيس اقتصاد متنوع الموارد. واعتمد مجلس الوزراء في جلسة استثنائية عقدها في أواخر شهر أكتوبر 2008 مشروع الميزانية العامة للاتحاد للسنة المالية 2009 والبالغة 42 مليارا و200 مليون درهم والتي تعد الأضخم في تاريخ الموازنات الإماراتية بزيادة تقدر بـ 21 بالمائة عن السنة المالية المنصرمة 2008 البالغة 9ر34 مليار درهم وبنسبة 100 بالمائة عن ميزانية العام 2005 والتي تصدر بدون عجز مالي للمرة الرابعة على التوالي.
وتطور حجم الاستثمارات الثابتة بشكل كبير ليرتفع إلى 148.5 مليار درهم في العام 2007 بمعدل نمو 22.7 بالمائة عن العام 2006 وبلغت نسبة الاستثمارات إلى الناتج المحلي حوالي 20.3 بالمائة وهي نسبة تعبر عن اهتمام الدولة بالجانب الاستثماري للمحافظة على استمرار القوة الدافعة للعملية التنموية. في الوقت الذي حظي فيه القطاع الخاص بدور كبير في حجم الاستثمارات في العام 2007 نتيجة حرص الدولة على فتح الباب أمام القطاع الخاص المحلي والأجنبي للانطلاق والمساهمة الفعالة في الإنتاج وفتح سوق العمل لتبلغ استثمارات القطاع الخاص 84.3 مليار درهم خلال العام 2007 شكلت ما نسبته حوالي 56.8 بالمائة من حجم الاستثمار بالدولة.
أفضل وجهة استثمارية
وجذبت دولة الإمارات استثمارات أجنبية كبيرة نسبياً خلال السنوات الأخيرة، وصنف تقرير صادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) الإمارات في المرتبة الثانية عربيا في حجم التدفقات الاستثمارية المباشرة خلال العام 2007 والذي قدره بنحو 48.6 مليار درهم. كما صنفها في صدارة دول منطقة غرب آسيا من حيث صفقات الاندماج والاستحواذ معتبرا أن الجزء الأكبر من الصفقات المنجزة في المنطقة والتي تقدر قيمتها بـ 43 مليار دولار كان من نصيب الإمارات. وأشار تقرير (أونكتاد) إلى أن دولة الإمارات تعد أفضل وجهة مرغوبة للاستثمار في منطقة غرب آسيا ووصفها بالنموذج الناجح في مجال استقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى المناطق الحرة المنتشرة بها وذلك في إطار خطة الحكومة لتنويع الاستثمارات الأجنبية المباشرة في مجال التصنيع.
وتمثل الطفرة العقارية الكبيرة التي تعيشها الدولة حالياً أهم معالم الازدهار الاقتصادي في الدولة، حيث توجد المئات من المشاريع الكبرى التي تحرك عجلة الاقتصاد بقوة عبر ضخ مئات المليارات من الدولارات في السوق، وبلغ حجم الاستثمارات العقارية منذ بداية العام الحالي وحتى نهاية أكتوبر الماضي 158 مليار دولار. وكان من الطبيعي أن يجر الازدهار العقاري نمواً متصاعداً في كافة القطاعات الأخرى المرتبطة به بصورة مباشرة أو غير مباشرة مثل صناعة وتجارة مواد البناء وقطاع السياحة والسفر والخدمات وقطاع التجزئة والقطاعات التعليمية والصحية وغيرها.
أسرع نهضة عمرانية
وتسير النهضة العمرانية في الإمارات بشكل سريع وتشهد الدولة نهضة قوية في قطاع البناء والتشييد تعد الأسرع في منطقة الشرق الأوسط والعالم من حيث النمو والازدهار.
وتستحوذ الإمارات على نصيب الأسد من الاستثمارات العقارية الجديدة في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي والتي تقدر بنحو تريليوني دولار. ووفقاً لتقرير (إكسفورد بيزنيس) لعام 2008، والذي يرصد الحركة الاقتصادية في دول العالم المختلفة، فإن حجم المشاريع العقارية المنفذة وتلك التي قيد التنفيذ بالدولة تقدر بنحو تريليون دولار.
وتستمر الأعمال الإنشائية بشكل كبير ونوعي، في الوقت الذي تعكس فيه المشاريع التي أعلنت في مختلف القطاعات خلال السنوات الماضية والتي يغلب عليها طابع المشاريع الضخمة والعملاقة على مستوى المنطقة والعالم النمو المتميز والمتسارع لاقتصاد الدولة بجميع مكوناته ومستوى الحركة النشطة للاقتصاد الوطني وتأثيرها على حركة السوق المحلية وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة في مختلف القطاعات.
أبرز مظاهر التطور
ويعتبر نشاط البناء والتشييد والعقارات من أبرز المظاهر الملموسة في اتجاهات التطور الاقتصادي الذي تشهده الدولة. ولم ينحصر الجهد الذي بذل في هذا المجال على زيادة الوحدات السكنية فقط والتي ارتفع عددها من 597 ألف وحدة سكنية في العام 2005 إلى 637 ألف وحدة سكنية في العام 2007 بل انصبت الجهود وبشكل واضح في تحسين نوعية المساكن والارتقاء بالمستوى السكني نحو الأفضل. ومن المظاهر الإيجابية في هذا القطاع ظهور شركات وطنية عملاقة تساهم في النهضة العمرانية وتغطي كافة إمارات الدولة.
وتعمل في دولة الإمارات أكثر 50 شركة منها 22 شركة في دبي تتجاوز استثماراتها 630 مليار دولار و12 شركة في أبو ظبي تصل استثماراتها إلى 250 مليار دولار وأربع شركات في باقي الإمارات الأخرى باستثمارات 20 مليار دولار.
نقلة نوعية
وحققت المشروعات نقلة نوعية حيث شملت تطوير جزر في محيط البحر وبنيت فيها مدن كانت ولا تزال حديث العالم. ومن بين أهم الجزر المطورة جزيرة السعديات في أبو ظبي ومشروع الخيران في دبي ومشروع النخلة جبل علي ونخلة ديرة وجزيرة أم الشعوم (لؤلؤة الإمارات) ومشروع جزر الكهرمان وجزر سرايا وجزر المانغروف وجزيرة المرجان وجزيرة الفجيرة. ويستمر تنامي النهضة العقارية بالتوازي مع التنمية المتكاملة بالدولة وتأتي انعكاساً لانفتاح شهية المستثمرين نحو زيادة حجم المشروعات في ظل التطورات الديموجرافية المتسارعة والتي تبرز من خلال النمو السكاني المتواصل وارتفاع حركة أنشطة القطاعات المساندة مثل السياحة وتجارة المؤتمرات والفعاليات والملتقيات والتي حولت المدن الرئيسية بالدولة إلى واحدة من المدن التي تشهد حركة دائمة في مجال انعقاد المؤتمرات والمعارض والملتقيات الإقليمية والدولية، الأمر الذي ضاعف الحاجة للمزيد من المساحات الفندقية والسكنية. ويغلب على المشروعات العقارية بالدولة طابع المشروعات الضخمة حيث نفذت الشركات أعمالاً في مختلف إمارات الدولة تصدرت مراتب متقدمة بين نظيراتها من المشروعات في دول العالم المختلفة.
تعزيز القدرة التنافسية
وبدأت الإستراتيجية الاقتصادية تأتي أكلها بالفعل حيث أسهمت في تعزيز القدرة التنافسية لاقتصادها الوطني بواسطة تحديث التشريعات والقوانين, فضلا عن تعزيز القدرة على تنفيذها. وتشدد الخطة على أهمية التدريب وبرامج إعداد القيادات في كل الوزارات.
وكانت دبي قد نشرت خطتها الإستراتيجية التي تمتد حتى 2015. وتتوزع خطة دبي الإستراتيجية إلى خمس خطط فرعية تشمل التنمية الاقتصادية, والتنمية الاجتماعية, والبنية التحتية والأراضي والبيئة, والأمن والعدل والمساواة, والتميز الحكومي.
وتركز الخطة على تفعيل وتعزيز دور قطاعات السياحة والنقل والتجارة والبناء والتشييد والخدمات المالية.
وبناء على ما سبق يمكن القول إن الإمارات قطعت شوطا كبيرا في التطور الاقتصادي في العقود الثلاثة الماضية. وأصبحت مسيرة التنمية الاقتصادية في الإمارات بشكل عام وفي دبي بشكل خاص مثار تقدير دولي. وباتت دبي وجهة اقتصادية وسياحية معروفة على نطاق العالم بفضل عدة أمور, منها برامجها التسويقية. وتم إطلاق فعاليات مفاجآت صيف دبي قبل نحو 11 عاماً. ونجحت الفعاليات في تدعيم خريطة السياحة الصيفية على المستويات المحلية والإقليمية والدولية في فترة قياسية.
وتؤكد التقارير على أن الاقتصاد الإماراتي يعد من أكثر الاقتصادات العربية اتزانا وتنوعا في مصادر دخله حيث خرج من عباءة الاعتماد على النفط كمصدر رئيسي للدخل إلى اقتصاد حر مفتوح ومنتج في ذات الوقت. وجاء نجاح الإمارات في أن تصبح مركزا ماليا عالميا وليس إقليميا نتاج جهد كبير بذل من قيادات الدولة. ولا نجد شركة إقليمية أو عالمية إلا ولها مكتب إقليمي في الإمارات وبالتحديد في دبي، كما أن الإمارات نجحت في جذب مختلف شرائح المستثمرين في العالم ومن أغلب الدول.
التنويع الاقتصادي طوق النجاة الأكبر
قطعت الإمارات شوطا كبيرا في مجال التنويع الاقتصادي في العام 2007 إذ بلغ نمو الناتج المحلي 16.8 في المائة ليصل إلى نحو 730 مليار درهم. وبلغت نسبة مساهمة القطاعات غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي 64.1 في المائة. وأصبحت الإمارات مركزا للاستثمارات الأجنبية بسبب ما حققته من نمو اقتصادي مستمر وتوفيرها قوانين مرنة وتسهيلات كبيرة تقدمها في كافة المجالات إضافة إلى البنية التحتية المتطورة القائمة فيها. الأمر الذي زاد من قيمة الثقة العالمية بالوضع الاقتصادي الإماراتي الذي يتمتع أصلا بنشاط وحيوية وازدهار. ولم يكن لموجة الاضطرابات التي تعيشها الأسواق المالية والاستثمارية العالمية أي تأثير ملموس على حجم الاستثمارات الأجنبية المستقرة في الإمارات التي لجأت منذ البداية إلى تخصيص جزء من ميزانياتها على شكل احتياطي لتفادي أي أزمة متوقعة، مما أسهم في استمرار انتقال شركات عالمية واعدة إلى السوق الإماراتي لتأسيس نشاطات جديدة .وساعد التطور الكبير الذي تشهده دولة الإمارات وما وصلت إليه من تقدم في مجال الصناعة والقضايا الاقتصادية في تحويلها إلى سوق عالمية وداعم قوي للمبادرات الإبداعية.
نقطة تمركز للاستثمارات
ويعكس التطور في حجم التجارة الخارجية مستوى النشاط الاقتصادي بالدولة وعلاقتها بالعالم الخارجي. وبلغت نسبة حجم التجارة الخارجية للناتج المحلي في العام 2007 نحو 157.7 بالمائة فيما بلغ معدل نمو فائض الميزان التجاري 6.3 بالمائة في العام 2007 وارتفع من 167.2 مليار درهم في العام 2006 إلى 177.7 مليار درهم في العام 2007 نتيجة زيادة قيمة الصادرات من 534.6 مليار درهم إلى 664.3 مليار درهم في العام 2007. وبلغت قيمة الواردات 486.6 مليار درهم في العام 2007 مقارنة مع 367.4 مليار درهم في العام 2006م.
ويتفق الخبراء على أن سياسة التنويع الاقتصادي التي تنتهجها الإمارات كفيلة بجذب استثمارات مباشرة في القطاعات غير النفطية حيث تنشط الشركات العالمية بصورة كبيرة في قطاع البترول وأعمال الإدارة والتدريب والهندسة المعمارية في ضوء ما يتمتع به الاقتصاد الإماراتي من إمكانيات كبيرة وبنية تحتية اقتصادية مهمة تشكل عنصر استقطاب لأكبر الشركات والمؤسسات التجارية والصناعية والتكنولوجية العالمية وهو ما جعل من الإمارات نقطة تمركز للاستثمارات العالمية.
قوة وصلابة الاقتصاد
ولم يعد النفط المحرك الوحيد للاقتصاد الإمارات في ظل سياسة التنويع الناجحة والتي قطعت شوطاً بعيداً. وعلى الرغم من أنها تحتل المركز الثالث بين أكبر منتجي النفط في العالم، إلا أن اقتصادها بني خلال الفترة الأخيرة بشكل يمكنه مواجهة أية صدمات في أسعار النفط. وتشير المعطيات إلى تمتع الاقتصاد الإماراتي بقوة وصلابة تجعلانه يستمر في تحقيق معدلات النمو المتوازنة التي دأب عليها طوال السنوات الماضية. وتؤكد البيانات أيضاً ارتفاع كبير في حجم الاستثمارات الخارجية المباشرة الأمر الذي أسهم بدوره في ارتفاع حجم فائض السيولة وزيادة معدلات نمو الناتج المحلي ويواصل الميزان التجاري للإمارات تحقيق فائض يفوق 50 مليار دولار في العام الجاري. ويلعب القطاع النفطي دورا رئيسا في الصادرات, حيث يشكل نحو 80 في المائة من مجموع الصادرات. كما تحتفظ الإمارات باحتياطي مالي ضخم لعدة أسباب منها تعزيز الإيرادات النفطية في السنوات القليلة الماضية. ويغطي الاحتياطي من العملات فاتورة واردات لفترة تزيد على ستة أشهر. ويزيد هذا الرقم على النسبة المطلوبة للدول الأعضاء في مشروع الاتحاد النقدي الخليجي والمزمع إطلاقه في عام 2010م.