مع أن الاتفاقية الأمنية العراقية الأمريكية قد أُقرت من الحكومة العراقية، وصدق عليها مجلس النواب العراقي، وبالتالي تُعدُّ ملزمة للعراق وأمريكا على حدٍ سواء، إلا أنه لا العراقيون ولا الأمريكيون يعرفون كل تفاصيل وبنود هذه الاتفاقية، وكل الذي يُعرف عنها ما نُشر في المنتديات والذي جرى عليه تعديل وتحويرات، وشكوك وتمويهات، حيث لم تعترف الحكومة العراقية بما نُشر في المنتديات واعتبرته موافقاً لرغبات الجهات التي نشرت النصوص، أما ما يعرفه العراقيون فهو ما نشرته صحيفة الصباح التابعة للحكومة العراقية، وحتى هذا النص لا تعتبره الحكومة العراقية النص الرسمي حيث ذكر بعض النواب ممن شاركوا في جلسة الخميس الماضي التي أقرت الاتفاقية بأنَّ النص المسلَّم لهم يختلف عمَّا كان قد نُشر في صحيفة الصباح.
ولعدم وجود نص رسمي، فقد وجد العراقيون فيما نشرته الصحيفة الحكومية (الصباح) هو النص الذي يمكن أن يعتمد عليه، خاصة مع امتناع الإدارة الأمريكية عن نشر النص الإنجليزي للاتفاقية. وحتى الصحف الأمريكية اعتمدت في نشرها للاتفاقية على النص الذي نشرته الصحيفة العراقية. فقد ذكرت صحيفة إنترناشونال هيرالد تربيون International Herald Tribune أن الحكومة الأمريكية ترفض نشر المعاهدة الأمنية التي وقعتها مع الحكومة العراقية، وأن تنشرها بالاعتماد على ترجمة غير رسمية للنسخة نشرتها صحيفة عراقية، كما ذكر في جلسة الكونغرس التي عقدت 19-11-2008م. وقد نشر الدكتور عبدالإله الراوي على موقع البصرة المهتم بالشؤون العراقية أقوال وتعليقات العديد من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي والنواب اعتبروا النسخة الإنجليزية التي تتداول في واشنطن، وحتى التي ناقشها أعضاء الكونغرس، نسخة ليست رسمية. وهذا يطرح سؤالاً جدلياً ومنطقياً في الوقت نفسه، وهو كيف تفضل الإدارة الأمريكية العراقيين على الأمريكيين بما فيهم ممثلو الشعب الأمريكي أعضاء الكونغرس، وتسمح بنشر الاتفاقية في الصحف العراقية ولا تسمح لمملثي الشعب الأمريكي بالاطلاع عليها فيضطرون بالاعتماد على نص مترجم.. ومدموغ عليه (ترجمة غير رسمية)..؟!
يرد الراوي وفي الموقع نفسه (البصرة) بأن القضية لا تتعلق بتفضيل العراقيين وحرمان ممثلي الشعب الأمريكي منها، والذين يضطرون للاطلاع على ترجمة لها من النص العربي المنشور في صحيفة عراقية، لكن لأن الإدارة الأمريكية تستطيع أن تمرر ما تريد وتحجب ما تريد من نصوص ولكن لا تستطيع ذلك مع الأمريكيين، إذ إن إدارة بوش لو زودت الأمريكان بالنص الرسمي لمشروع الاتفاقية وباللغة الإنجليزية فستكون ملزمة لأن تقدم النص الأصلي الرسمي، لأنها ستكون مسؤولة أمامهم مستقبلاً، أما أن يطلعوا على ترجمة من صحيفة عراقية، على نسخة أو نص غير أصلي فستكون مسؤوليتها أقل، لأنها ستدفع بوجود أخطاء أو نقص في النص أو إضافات لما نشرته الصحيفة العراقية وهم ليسوا مسؤولين عما تنشره صحيفة عراقية..!
وطبعاً فإن الإدارة الأمريكية لا تخشى ولا تتحرج أمام العراقيين ولا من حكامهم الجدد الذين يعدون تابعين لها ومصيرهم مرتبط بالرضا عنهم..! وأن اعتراضهم على عدم نشر واطلاع الشعب العراقي على الاتفاقية الأصلية أو الرسمية لن يكون له أي تأثير لأنها أُقرت وأن المالكي ووزراؤه قد وقعوا عليها، ومن أوصلوهم إلى مجلس النواب صدقوا على بنود اتفاقية لم يطلعوا على نصوصها الرسمية.
jaser@al-jazirah.com.sa