.. ومنذ عشرات السنين وفنان العرب يبقى متسيداً ساحة الغناء وملتصقاً بصوته الشجي على جسد الوطن ليجعل من الأغنية الوطنية عنوانا جديدا لتفرده كأحد أكثر فناني العالم غناءً لوطنهم..
ومنذ كنا صغاراً ونحن نستمع لأغانيه الوطنية، بل لعلَّه الوحيد الذي (حفظ) الناس أغانيه ورددها محبو وطنهم حتى يومنا هذا.
فنان العرب محمد عبده كان مع الوطن (ملتحماً) في كل مناسباته، بل كان سبّاقاً لأي مشروعٍ وطني يغنيه، ولو حاولت رصد جميع ما غنى لمناسبات الوطن لضاقت المساحة هنا ولم انتهِ ثم إنني لن أستطيع استيعاب (كل) ما غنَّاه للوطن ويحتاج هذا الرصد لمشروع ضخمٍ.
محمد عبده غنّى أوبريتات الجنادرية ولم يتغيّب عنها سنة واحدة، وهو غنى في جميع مناطق المملكة لاحتفالاتها ومهرجاناتها وغنى في أزمات الوطن وحارب (بصوته) المعتدين وانتقم من المخربين وصال وجال ولعلكم تذكرون مجموعة أعماله التي ألهبت (مشاعرنا) حين غزا العراق الكويت مطلع التسعينات.
فنان العرب محمد عبده شاهدٌ على أنَّ الفنان جزء من نسيج الوطن ويؤثّر ويتأثر بكلّ ما حوله ولا يقفُ متفرجاً على ألمِ بلاده أو مناسباتها دون حراك.
ولأنه (كبير) منذ سنوات (كثار) فقد كان وما زال فنان العرب نهراً خالداً من الصوت الشجي الذي تحوّل إلى سهلٍ وجبل ومياهٍ، وعقال تثبّت فوق رأس الأغنية السعودية التي تفخر اليوم وكل حين أنها أنجبت (محمد عبده).. بل هو العنوان العريض لكل أُغنية (وطنية).
سأحاول اليوم أن أسرد قليلاً من أغاني فنان العرب للوطن، وأنا على علمٍ بأنني سأتجاوز (ناسياً) بعضاً منها وحسبي أنني سأسرد ما رصدته ذاكرتي المثقوبة والمثقلة بحب هذا الرجل، خذوا مثلاً (الله أحد، موطن الصقر، فوق هام السحب، هبّت هبوب الجنة، نحن الحجاز ونحن نجد، أوقد النار، كلنا فيصل وكلنا خالد، حديثنا يا روابي نجد، نشوة العز، خضر الفنايل، نبض القلوب، سور البلد عالي، حنا جنود الله، الرياض، كوكب الأرض..) لقد وقعت في المحظور ورصدت بعض وطنياته وتجاهلت عشرات الأغاني ولا تحسبوها إلاَّ رصداً سريعاً وليس اختزالاً.
في حديثٍ عابر مع محمد عبده يقول:
(حين أُغني للوطن أشعر بأنني من خارطة بلدي، بل إنني أشعر أنني ملايين السعوديين اتحدوا في صوتٍ واحد) انتهى.
وتوقفت قبل قليلٍ للاتصال بأحد الأصدقاء وأسأله عن الأغاني العالقة بذاكرته، فقال إنه يصعب حصر هذه الأغاني عبر الذاكرة التي ستكون (خائنة) له ولا يجب الاعتماد عليها (كلياً) كي لا يظلم فنان العرب.
وحين يقفز محمد عبده إلى أذهانكم تخيّلوا مناسبات الأيام الوطنية والاجتماعية والأعياد، وكل ما يتعلّق بكم ستجدونه أشبَعها طرباً، وغنّاها كما لم يغني أحد من قبله وربما لن يفعلها أحد.
بعد هذا كلّه.. أشعر أنه آن الأوان لتكريم يليق بمشواره الذهبي الذي أتحفنا به وهو تكريمٍ يستحقه لأن فناناً مثله شكَّل في ذاكرتنا ألواناً خضراء امتزج بها بياض العلم، ونقل أغنيتنا الوطنية إلى خارج حدود البلد فغنّاها معنا كل العرب.
يحدوني أملٌ كبير أنّ تكريماً من شأنهِ إعطاء فنان العرب القيمة التي يستحقها وشهادة شكر وتقدير نضعها جميعاً على صدره أن قلنا له بصوت الوطن: (شكراً، فقد أسعدتنا).
محمد عبده اليوم هو قيمة فنية ثقافية رائدة يستحق التقدير والاحترام لأنه لم يترك مناسبة وطنية إلا وسعى لها وحوّلها إلى أغنية تخترق حواجز الصمت لتستقر في أذهاننا.
اسألوا من حولكم وأبناءكم وأصدقاءكم لتجدوا أغانيه الوطنية متربعة في ذاكرتهم، واعلموا جيداً أننا نمتلك ثروة وطنية أخرى تستحق التكريم أمامَ الملأ في مناسبة وطنية قادمة.
ولعلَّ مناسبة الجنادرية القادمة هي خير مكانٍ ووقت لهذا التكريم؛ ففنان العرب الوحيد الذي حضر (جميع دوراتها)، ولم يتأخر عنها عاماً، ولم يحاول.
أكتبُ كلماتي هذه بتفاؤل كبير أنَّ في وطني من يقولونَ للمحسن أحسنت ويبادلون الحب (بتكريم).
****
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«796» ثم أرسلها إلى الكود 82244