Al Jazirah NewsPaper Wednesday  26/11/2008 G Issue 13208
الاربعاء 28 ذو القعدة 1429   العدد  13208
منطلقاتنا وتاريخنا في محاورة الآخر... 3-5
د. عبد الرزاق بن حمود الزهراني

لماذا أصبح التواصل بين الحضارات والثقافات ضرورياً ومهماً في الحياة المعاصرة؟ حول موضوع هذا السؤال المهم نقول إن التواصل والتحاور والتلاقح بين الحضارات والثقافات والمجتمعات مهم في جميع العصور، ولكنه أصبح أكثر أهمية في

حياتنا المعاصرة للأسباب التالية: 1) ترابط وتشابك المصالح. 2) انفتاح العالم على بعضه بطريقة لم يسبق لها مثيل في التاريخ، وذلك لتطور وسائل المواصلات والاتصالات التي أدت إلى ترابط وتشابك المصالح. 3) كثرة البؤر الملتهبة في الحياة المعاصرة والتي تؤثر في المصالح والحضارات والثقافات والمجتمعات في أجزاء العالم المختلفة. ولقد طورت أدوات التواصل والحوار بين الأمم في الحياة المعاصرة؛ فالتواصل بين الحضارات والثقافات قديماً كان محدوداً، وسوف نقتصر هنا على ذكر أهم الأدوات الإيجابية، باعتبار أن الحرب والصراع والقتال والتناحر وما شابهها أدوات سلبية ومدمرة للتواصل بين الحضارات:

1) الحوار، ويعتبر أهم أداة للتواصل والتفاهم بين الحضارات، وعليه ترتكز معظم الطروحات القديمة والحديثة. وتعتبر قصة (بلقيس) مع (سليمان) عليه السلام أفضل مثال للتواصل والتفاهم بالتي هي أحسن، وتجنب القتال والصراع، والوصول إلى نتيجة إيجابية للطرفين.

2) الاستفادة من الإنتاج الفكري والتقني وأساليب الحياة، فلا يوجد حضارة ازدهرت في عزلة، وكل حضارة كان لها شأن في التاريخ أخذت من غيرها، وأعطت غيرها. ومن المعروف أن الحضارة الإسلامية لم تستنكف عن الأخذ من الحضارات الأخرى مثل الهندية، والصينية، والفارسية، واليونانية. وترجم إلى العربية الكثير من كتب تلك الحضارات وأضافت إليها. وقد اعتمد الغرب على الثقافة الإسلامية في نهضته كما يعترف بذلك كثير من علماء الغرب أنفسهم.

3) التبادل التجاري، فالتجارة تعكس كثيراً من ثقافات وحضارات ومنتجات الشعوب، وبواسطة التجار المسلمين انتشر الإسلام في كثير من بقاع العالم في مشارق الأرض ومغاربها، وقد كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - تاجراً، وعمل عند زوجه خديجة - رضي الله عنها - في التجارة، وسافر لذلك إلى بلاد الشام.

4) تبادل السفراء، وتبادل الوفود والبعثات العلمية والتجارية والفنية والتقنية والاستشارية، فالسفراء والوفود يمثلون ثقافاتهم ومجتمعاتهم وحضاراتهم، ومن أدواتهم التحاور والإقناع ومد جسور التقارب بين المجتمعات والثقافات والحضارات. وقد أرسل الرسول - صلى الله عليه وسلم - سفراء ورسلاً إلى عدد من الملوك، منهم قيصر ملك الفرس، وهرقل عظيم الروم.

5) الرسائل، وقد كانت الرسائل من أبرز الوسائل التي استخدمها الرسول - صلى الله عليه وسلم - للتواصل مع الملوك والأباطرة في عهده، وقد تميزت رسائله - صلى الله عليه وسلم - باللين، والحكمة، والبعد عن التهديد والوعيد (يمكن إيراد رسالة من رسائله صلى الله عليه وسلم).

أما في الحياة المعاصرة فإن الوسائل للتواصل بين الثقافات والحضارات أصبحت متعددة وميسرة ومن أهمها: 1) الإعلام والاتصال. 2) المشاركة والتمثيل في الهيئات والتنظيمات الدولية. 3) المشاركة في النشاطات، والمحافل الدولية. 4) تبادل المساعدات عند الكوارث والنكبات. 5) المشروعات المشتركة. 6) البعثات العلمية التخصصية، وهذه كلها تدخل تحت عنوان (التعارف) الذي يحث عليه الإسلام في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (الحجرات: 13).

ولأهمية الحوار في جميع أدوات التواصل والتقارب بين الثقافات والحضارات والمجتمعات نورد أهم تعريفاته، فقد عرفه (المعجم الوسيط) بأنه: (نوع من الحديث بين شخصين أو فريقين، يتم فيه تداول الكلام بينهما بطريقة متكافئة فلا يستأثر به أحدهما دون الآخر، ويغلب عليه الهدوء والبعد عن الخصومة والتعصب)؛ فالتعريف يشترط للحوار التكافؤ والهدوء والبعد عن الخصومة وعن التعصب؛ وبهذا لا يكون هناك حوار في وجود التعالي، أو الغطرسة، والصراع والتخاصم والتعصب وإلغاء الآخر. أما بسام عجك فيعرف الحوار في كتابه (الحوار الإسلامي المسيحي) بأنه (محادثة بين شخصين أو فريقين حول موضوع محدد، لكل منهما وجهة نظر خاصة به، هدفهما الوصول إلى الحقيقة، أو إلى أكبر قدر ممكن من تطابق وجهات النظر، بعيداً عن الخصومة أو التعصب، بطريق يعتمد على العلم والعقل، مع استعداد كلا الطرفين لقبول الحقيقة ولو ظهرت على يد الطرف الآخر). والتعريف يحدد شروط التحاور بأن يكون بين فريقين لكل منهما منطلقاته الخاصة، ويكون هدفه الوصول إلى الحقيقة، أو تقارب وجهات النظر، وأن يكون بعيداً عن التعصب والصراع، وأن تكون أدواته هي العلم، والعقل، والاستعداد لقبول الحقيقة لو تبينت على يد الطرف الآخر.

أستاذ علم الاجتماع في جامعة الإمام، رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية لعلم الاجتماع والخدمة الاجتماعية


Zahrani111@yahoo.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد