Al Jazirah NewsPaper Wednesday  26/11/2008 G Issue 13208
الاربعاء 28 ذو القعدة 1429   العدد  13208
أزمة التنسيق .... مسألة حضارية...
د. خالد الشريدة

بدءاً بأبسط مسؤولية وانتهاءً بأعلاها... نعيش أزمة في التنسيق. والتنسيق لغة حضارية يعد مقياساً لمدى الرقي الذي يعيشه الإنسان والمجتمع بمؤسساته المختلفة، ذلك أن ممارسة هذا المفهوم الحضاري يختصر مسافات في الجهد والمال والوقت ربما تصل إلى 80% من كل ذلك.

وأكبر فيروس يقتل عملية التنسيق هو المركزية السلبية.

والمشكلة الأكبر التي لا يستشعرها الأكثرون هي أن الأثر السلبي على تجاهل التنسيق لا ينعكس فقط على الجهات (أشخاص أو مؤسسات) بل في الأصل على الشخص أو الجهة التي لم تمد يد التنسيق إلى غيرها وأضرب أمثلة توضح فلسفة هذه المقدمة... إذ نرى أحياناً على المستوى الشخصي أفراداً يهلكون أنفسهم في البذل والعطاء ويعيشون هموماً كبرى يشكرون عليها... لكن هذا الواقع الذي يعيشونه قد يؤثر على صحتهم وعطائهم.. وربما على أثر سلبي في نظرتهم للأشياء أو الأشخاص... لكن ذلك يمكن أن ينعكس تماماً صحة وسعادة لو أنهم فقهوا أهمية معنى التنسيق وممارسته، وما أجمل أن نتذاكر مثل هذه الأشياء في مجالسنا... وذات مرة إذ شكا لي أحد زملائي مؤنباً الواقع بقوله ولم لا يحرص المعينون بما يراه مهماً؟!!!.

فأشرت له وهل تدارست هذا الموضوع مع فلان؟! وهل اتصلت بذلك المسؤول؟! وهل كتبت في ذلك شيئاً؟! وأسئلة أخرى؟! فكانت مجمل الإجابات باللفظ الذي تتوقعونه أن (لا)!!!

... إن من الناس والمسؤولين من يملك مفاتيح للحلول، ومغاليق للمشكلات لكن كيف لنا أن نتواصل معه!!

إن من أهم العمليات التنسيقية مثلاً تلك التي يجب أن تتم على المستوى الأسري وأعيد التي يجب أن تتم بين الزوج وزوجته... فقد تعيش الأسرة مشكلة (ما) فلا تجد ثمة محاورة جادة أو تبادل للأدوار بين الزوج وزوجته في معالجتها والأمثلة هنا كثيرة سواءً في عملية تربية الأولاد أو مختلف شؤون الأسرة.. من الخلل أن يكون الاحتداد والشد من الزوجين تجاه الابن أو البنت حين حدوث مشكلة (ما)... وهنا يجب أن يتفق الطرفان على ممارسة تربوية ويناقشان تبعاتها سلباً وإيجاباً!!! فمن الخلل أن يجد أطراف الأسرة كلهم حلول مشكلاتهم خارج جوِّ الأسرة لا داخلها، والخلل الأكبر هنا هو أن يشعر أطراف الأسرة بعدم تبادل الاهتمامات والمشاعر البينية فيما بينهم وأجمل معنى يورث هذه المشاعر هو الممارسة الفعلية قولاً وعملاً لمبادئ الاحترام والتقدير المتبادل.

وعلى مستوى مؤسسات المجتمع حدّث ولا حرج عن فجوات وهفوات وآفات وكلفات عدم التنسيق، وليس الحديث هنا فقط عن المثال الشائع أن يُفرش الإسفلت اليوم وجهة أخرى تزيله من الغد!!!

ولكن على مستوى الوزارات نتحدث أولاً فكم من قرار يصدر يناقض قرارات في وزارة أخرى أو يحرجها أحياناً أو يحملها أوزارا غيرها أو بالعكس يخرجها من المعادلة وهي من أهم مركباتها!!.. فتجد على مستوى التعليم مثلاً.. أناساً يبذلون أموالهم وأوقاتهم بجد لضمان مستقبلهم، وقد وعدوا أو قرأوا بأن هناك مجالات للتوظيف لا حدود لها.. وبعد!!!! خرج قرار من جهة أخرى تعنى بهذا الأمر وربما من نفس الوزارة بنقض ذلك كله...!!! ياللحيرة!!!

ومثل آخر... منشآت ومشروعات ينفق عليها مليارات!!! كان ينقصها عملية التنسيق لتكون بملايين معدودة فقط!! وهذا التقرير والتأكيد ليس بغريب حينما نقدر مدى الهدر المادي والمعنوي لمقدراتنا المادية والبشرية.

... أنا في الحقيقة لا أريد أن أطيل الأمثلة سواء على المستوى الشخصي أو الاجتماعي أو المؤسسي... ولكني أريد تقرير وتأكيد أهمية عملية التنسيق وإننا أحوج ما نكون إليها هذا اليوم خصوصاً مع كثرة المتغيرات وتعدد المتطلبات وتداخل التخصصات وكثيراً من المستجدات...

... ما أجمل أن نبدأ خطوات تنسيقية على الأقل في مجهوداتنا ومشروعاتنا التي تتشابه مع بعضها كخطوة أولى حتى تترسخ لدينا عملية التنسيق فترقى كلما ارتقينا بمفهومها وممارستها.

والتنسيق الذي شاهدته بين المؤسسات الخيرية وهي في خطواتها الأولى يعد مثالاً جميلاً لضبط ورعاية المحتاجين والتنسيق فيما بينهم في مسألة العطاءات والاستحقاقات.

... والأجمل هنا أن يكون فيما بين الجهات المعنية في كل مدينة ومحافظة لجان تنسيق دائمة لتسهيل تبادل المعلومات والمشروعات من أجل أن تتكامل وتتضافر الجهود لتحقق كل مؤسسة رسالتها دون تعقيدات أو معوقات.

وختام جميل أذكر فيه أن المصطفى صلى الله عليه وسلم أمر بالتنسيق والترتيب ليظل الجسم سليماً ومعافى بقوله (ثلث لطعامك وثلث لشرابك وثلث لنفسك) حتى لا تزدحم الأشياء على الجسم فيكون أسيراً لعلاج التخمة في مستقبل حياته، كما هو أملنا أن يكون التنسيق أولوية في حياتنا الشخصية والاجتماعية والمؤسسية كي نوفر على أنفسنا وأجيالنا ومؤسساتنا ما نحن بحاجته في مستقبلنا.. (Our Common Future).

خاطرة

(من التنسيق أن نتحدث كثيراً أهمية التنسيق)




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد