Al Jazirah NewsPaper Saturday  22/11/2008 G Issue 13204
السبت 24 ذو القعدة 1429   العدد  13204
دفق قلم
الدُّعاء وغفلة الإنسان
عبد الرحمن بن صالح العشماوي

الدُّعاء هو العبادة؛ لأنه دليل على صلة دائمة لا تنقطع بين الإنسان وربِّه، صلة قائمة على الإيمان الكامل، واليقين الراسخ بأنَّ الله - عزَّ وجل - هو الإله الواحد الأحد، الفرد الصمد، القادر على كل شيء، المحيط بكل شيء، المتصرِّف في كل شيء، الذي يقول للشيء كن فيكون - سبحانه وتعالى -. ولأن الدُّعاء دليلٌ على انكسار الإنسان وضعفه؛ ولهذا فهو يتخلَّص من حوله وقوته إلى حول الله - عزَّ وجلَّ - وقوَّته في أقوى حالة استسلام وخضوع وتسليم لله - عز وجل - بكل شيء في الحياة.

والدُّعاء بهذه الصفة مصدر قوةٍ هائلةٍ للإنسان، تملأ روحه وقلبه بالثقة المطلقة بالله - عز وجل - تلك ثقة تتلاشى أمامها عوامل الضعف أمام غير الله، والخوف من سواه؛ فيكون الإنسان بها قوياً صامداً، مطمئناً، سعيداً، راضياً بقضاء الله وقدره، شاكراً لفضله ونعمه.

ومع أن للدعاء هذه المكانة الجليلة، وذلك الأثر الفعَّال، فإنَّ كثيراً من الناس يغفلون عنه، ويفرِّطون فيه تفريطاً كاملاً؛ فلا يكاد يلتفت إليه حتى حينما تنزل به النوازل، وتعترض طريقه بعض صعوبات الحياة، وهؤلاء الناس يعانون - نسأل الله السلامة - من غفلة مطبقة على قلوبهم، ومن غشاوة ثقيلة على بصائرهم؛ فهم في شقاء دائم، واضطراب مستمر، وسخط على الحياة يحوِّل حياتهم إلى جحيم وشقاء.

وهنالك صنف آخر من الناس لا يتذكر الدُّعاء واللجوء إلى الله إلا في حالة الشدة والبلاء، أما فيما عدا هذه الحالة فهم عن ربهم غافلون، وبما هم فيه من النعمة مخدوعون، مثلهم مثل أولئك القوم الذين كانوا في سفينتهم في عرض المحيط لاهين غافلين، وحينما تحرَّكت الأمواج، وارتفعت الأثباج، وهبَّت الأعاصير توجهوا إلى الله بالدعاء خائفين متضرعين منكسرين؛ فاستجاب الله دعاءهم، وأنجاهم من هذه الأهوال إلى البرِّ، فلما أحسُّوا بالأمان عادوا إلى ما كانوا عليه من الغفلة واللهو والنكران. وهذا الصنف من البشر مذموم، وهو يعيش على خطر؛ لأنه لا يعرف اللجوء إلى الله إلا في حالة الشدَّة والضيق، بينما يغفل عنه وربما يبارز ربَّه بالمعاصي حينما تزول شدَّته، وإنما جاء الخطر على هذا الصنف من جانب احتمال أن يغضب ربُّه عليه، فلا يستجيب له، وهنا سيكون شقاؤه كبيراً - والعياذ بالله -.

أما المؤمنون بربهم إيماناً راسخاً، المتصلون به اتصالاً دائماً فهم الذين لا ينقطعون عن الدعاء، في الشدَّة والرَّخاء؛ فألسنتهم تلهج بذكر الله ودعائه، وقلوبهم عامرة بخوفه ورجائه؛ ولهذا فإن السعادة الحقيقية ترافقهم في حالاتهم كلِّها، صحةً ومرضاً، خوفاً وأمناً، غنىً وفقراً، قوةً وضعفاً، وهم بهذه الصفة يحققون المعنى الصحيح للعبادة الخالصة لوجه الله، ويطبقون المعنى الصحيح لقوله تعالى: (وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ). إن الإنسان الذي لا يتذكَّر ربَّه - سبحانه وتعالى - إلا في حالة الشدَّة، إنسان غافل، قد لا يجد إجابة حينما يستمر على غفلته، أرأيتم كيف تكون حالة الإنسان حينما يرى صديقاً أو قريباً، ينقطع عنه، ولا يسأل عنه زمناً طويلاً، ثم يتصل به حينما تعرض له حاجة؟ ألا يتضايق أحدنا من هذا التصرف؟ ولربما يستجيب أحدنا لذلك الشخص الذي لا يتذكرنا إلا في حالة احتياجه مرة أو مرَّتين، ولكننا لن نحتمل ذلك منه، وقد نصنِّفه في قائمة الجاحدين النفعيين؛ فلا نستجيب له مرةً أخرى.

إن لله المثل الأعلى وإن رحمته وسعت كل شيء، ولكنه لا يقبل من الدعاء إلا ما كان خالصاً لوجهه الكريم.

الدعاء - أيها الأحبة - جسر النجاة الذي لا ينقطع، وعبوره المستمر شأن الصالحين المخلصين، ومن دعا ربَّه على كل حال، في الرَّخاء والشدة، والغنى والفقر، والصحة والمرض، فقد فاز بجائزة ربه الكبرى (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ).

إشارة:

ثقتي بربي تجعل الدنيا كملكٍ في يميني.



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5886 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد