في الولايات المتحدة، على الأقل حيث بدأت الأزمة الاقتصادية، البطالة مرتفعة والاستهلاك منخفض، ويقول الاقتصاديون إن هذا الركود سيستمر حتى منتصف العام القادم.
بولس، وزير الخزانة الأمريكية، بدل من رأيه، المتمثل في شراء الأسهم (المتدهورة) هل سيحول مبالغ لمساعدة أصحاب المساكن العاجزين عن دفع أقساطها؟ وهل سيحول مبالغ أخرى لشركات صناعة السيارات الثلاث (جنرال، فورد، كرايزلر)، التي تمد أيديها وتستغيث، أو تترك حتى تعلن إفلاسها؟ أسئلة كثيرة مطروحة وسيطرح غيرها الكثير.
يذكر أنه في اجتماع للرئيس بوش مع الرئيس المنتخب، حث أوباما الرئيس على مساعدة شركات صناعة السيارات الأمريكية. وقضية شركات صناعة السيارات الأمريكية فعلى جانب كبير من التعقيد، فمن ناحية أظهر استفتاء بأن 47 في المائة من دافعي الضرائب لا يؤيدون إنقاذ الشركات، التي هي على حافة الإفلاس، والسبب لأن تلكم الشركات خيبت آمال المستهلكين في تصنيع سيارات ذات كفاءة عالية من حيث استهلاك الطاقة، على الرغم من أن دراسات مؤخرة أظهرت أن كلا من الكاديلاك والمركري جاءا مباشرة بعد اللكزس في فحص للجودة. أما استفتاء آخر، هذه المرة أجراه اتحاد صانعي السيارات، فيظهر أن 55 في المائة من المستفتين يؤيدون مساعدة الحكومة الفدرالية لهذه الشركات. ويذكر المؤيدون للإنقاذ أن إفلاس الشركات ينتج عنه مشكلات عديدة: تسريح الآلاف من العاملين في صناعة السيارات، التي توظف حوالي ربع مليون عامل وتشغل الشركات المساندة 700 ألف عامل. ما الذي سيحدث للاقتصاد المرتبط بهذه الصناعة بدءاً بخط الإنتاج لها ومروراً ببائعيها وناقليها والمتاجرين بقطع غيارها والصناعات المساندة لها؟
صحيح أنه سبق أن منحت شركات صناعة السيارات مبلغ 25 بليون دولار وذلك لرفع كفاءة استهلاك الوقود، وهذه أمر، وأمر آخر، الذي قصم القشة من فوق ظهر البعير، المتمثل في انخفاض مبيعات السيارات الأمريكية في أمريكا، إذ يقدر أن سينخفض من 16 مليون إلى 12 مليون سيارة سنوياً.
أما السبب فلقد خمنته أيها القارئ الكريم، الأزمة المالية ذاتها، لم يعد الناس يشترون سيارات لأن مؤسسات الإقراض المالية لم تعد تقرض المقدمين على الشراء. ولو قيل لم لا تترك هذه الشركات لتعلن إفلاسها ومن ثم تعيد تنظيم أمورها وتقوم على أقدامها مرة أخرى، مثلها مثل شركات الطيران؟ هنالك فرق بين الأمرين: خدمة السفر خدمة تحصل عليها وتنتهي، أما السيارة فمنتج يبقى مع المستهلك لعدد من السنوات ويحتاج إلى صيانة دورية، فهناك حاجة للشركة المصنعة، ليس حاجة وقتية، ولكنها حاجة قد تمتد لفترة زمنية طويلة نسبياً. وهذه الأزمة (اقتصادية الطابع) لها بعد سياسي فالمعترضون على مسألة الإنقاذ في الكونجرس هم من الجمهوريين، ولك أن تفسر هذا الموقف كيفما شئت. ثم لها بعد عملي: هنالك شركات غير أمريكية خارج مدينة ديترويت، موطن الشركات الثلاث الأمريكية، ولم تعان ما تعانيه.
أما اجتماع (دول العشرين) الطارئ لبحث الأزمة المالية العالمية، الذي لم يحضره أوباما، (رئيس الظل، كما يمكن أن يطلق عليه)، بل حضره ممثلون من فريق (مرحلة نقل السلطات) بين الرئيس والرئيس المنتخب والسبب في عدم حضوره للاجتماع حتى لا يكون له علاقة بإدارة (تنعت بالبطة العرجاء)، تقليد اتبعه رؤساء منتخبون، مثل استلام روزفلت مقاليد الرئاسة من الرئيس هوفر في عام 1933م. الرئيس الفرنسي ساركوزي، الذي يمثل الاتحاد الأوروبي والذي دعا للاجتماع، الذي عقد في نهاية الأسبوع (في يومي السبت والأحد 15و 16 من شهر نوفمبر الحالي) تمخض عن 11 صفحة تضمنت مبادئ عامة تم الاتفاق عليها، وُكِلَ إلى وزراء المالية والاقتصاد في الدول المشاركة العمل بموجبها لحين اجتماع قادم يعقد في نهاية شهر أبريل من عام 2009م.
يقول الرئيس الفرنسي عن ذلكم الاجتماع الطارئ: لقد كان اجتماعا تاريخيا وافقت فيه أمريكا، والتي لم يسبق لحكومة أمريكية جمهورية أو ديمقراطية، على وضع رقابة أكبر على البنوك. أما وزيرة المالية الفرنسية فذكرت أن هذا الاتفاق، الذي دفع به الرئيس الفرنسي، مفيد لفرنسا وأوروبا ولدول أخرى (روسيا والصين والهند والسعودية) عشرون دولة حضرت (الثماني الكبار واثنتا عشرة دولة أخرى) وافقوا على ما تمخض عنه المؤتمر وكانوا يتكلمون اللغة نفسها ذات النبرة الاقتصادية - السياسية، وعرض التلفاز الفرنسي خطبة بوش في المؤتمر، وعلق بالقول إن عهد (الليسافير)، أي عهد (الحرية الاقتصادية المطلقة) قد ذهب، وهذا بداية لشفاء اقتصادي.
والسؤال الذي طرحه أحد الإعلاميين، فيما يتعلق بالأزمة الاقتصادية: أين ذهبت الأموال التي كانت تزخر بها المؤسسات المالية، وكيف تلاشت أو ذابت؟ أكثر هذه الأموال، التي خصصت للإنقاذ، هي في حقيقة الأمر ليس أموالاً بل أرصدة، هنالك العديد من البنوك التي لديها أموال ولكنها تمسك خشية الإنفاق، وتظهر كما لو كانت ليس لديها أموال، وربما يستثنى من ذلك الصين التي لديها احتياطات مالية (مهولة) وعلى الرغم من ذلك فعليهم أن يأخذوا حيطتهم، فلربما يواجهون حلما مزعجا. أما الوضع بالنسبة لثالث اقتصاد عالمي (الياباني) فلقد تأكد رسمياً بأنه دخل مرحلة الركود، والمعلوم، تاريخياً، أن الركود recession يؤدي إلى الانكماش deflation وقد يؤدي ذلك إلى الكساد depression ومضى على اليابانيين مدة أطول، مقارنة بالمدة التي مر بها المسرح المالي الأمريكي، ليكتشفوا أنهم مارسوا التوسع في مساعدة القطاعين البنكي والعقاري حتى وصولوا إلى مرحلة الإذابة ويتوقع بعض الاقتصاديين أن فترة الركود الاقتصادي العالمي قد تصل إلى خمس سنوات، وما يخبئه المستقبل فالله به عليم.