الحديث عن إصلاح الأوضاع داخل مؤسسات الطوافة الذي طرحه عدد من الكتاب في صحف مختلفة منها الوطن والمدينة والحياة، لم يعد يعتبر وحسب مطلباً من المتطلبات الأساسية العملية، الوظيفية والأدائية لما فيه مصلحة الوطن ومصلحة ضيوف الرحمن ومن ثم مصالح المواطنين ممن يعملون في خدمة ضيوف الرحمن المعتمرين والحجاج، وإنما بات معالجة الحال وما يتبعه من أحوال ضرورة ملحة في عصر المدنية الحديثة بأنماط تطورها وتقدمها في كافة المجالات والميادين المتعلقة بواقع ومستقبل الإنسان بداية من إدارة شؤون حياته وإلى إدارة شؤون وفاته ومن ثم ما بعد وفاته.
الموضوع مهم وحساس جداً لأنه متشعب، مترابط، بل متشابك ومتواصل مع الماضي بتركاته المرهقة وإرثه الثقيل. دعك من واقع الموضوع الملتهب والتطورات الإدارية والمالية والتنظيمية التي طرأت عليه ومعها ثلة من التداخلات الخارجية والداخلية التي تفاعلت وتداخلت معه حتى جردته من معظم ما كان يحتوي عليه من مدخلات ومردودات.
الأوضاع التي طالب البعض من الكتاب معالجتها بالإصلاح سواء الشفافية أو الانتخابات لإدارة مؤسسات الطوافة أو توحيد أنظمتها وقوانينها ومقاييسها الإدارية والمالية كانت بالفعل والمعنى محدودة يغلب عليها طابع العمومية والشمولية، ربما لضعف الخبرة العملية في مضامين وميادين الحج وخدمة الحجاج، أو لأنها جاءت نتيجة لملاحظات عابرة أو احتكاكات محدودة.
إذ إن مسألة عدم قبول أو قبول المسؤولين في مؤسسات الطوافة بهذه الأوضاع والانتظار لمعالجتها لحين صدور الأنظمة، من المسائل المعروفة والمتعارف عليها في العرف الإداري وروافده ومتطلباته ومعوقاته في أي مجتمع من المجتمعات التي تشهد تطورات وتغيرات إصلاحية عادة تأخذ وقتها الطويل. لذا يصعب التعميم من هذه النظرة والمشاعر على كافة مؤسسات الطوافة. فهناك مؤسسات طوافة كمؤسستي جنوب شرق آسيا وجنوب آسيا بدأتا بالفعل في عمليات التطوير والتعديل والتغيير الموضوعي المنظم والهادف لتحقيق مصلحة الجميع على الرغم من المقاومة الشديدة التي تواجهانها من مختلف الأفراد والجماعات والجهات.
لذا يا سادة يا كرام، لا شك أن عمليات التصويت أو الانتخابات التي تمت في مؤسسات الطوافة كانت خطوة إيجابية في الطريق الصحيح، وقد تحتاج بالفعل إلى تعديل وتطوير. لذا أقول نعم هي في حاجة ماسة للتطوير والتعديل بآلية سرية تحفظ مصالح الجميع وحقوقهم ومستقبل تعاملهم مع الفائزين أو الخاسرين. لكن لا يعني هذا الحال والوضع أن ما سبق عقده من انتخابات كانت فاشلة أو مفبركة. ثم إن فكرة إجراء الانتخابات كل سنتين لا تتعارض وحسب مع أي عرف من أعراف أهمية وفعالية الانتخابات العامة لتحقيق المصالح العامة، وإنما تتعارض مع منطق وأدبيات وآليات القدرة الإنسانية الإدارية على الإصلاح والتجديد التي تتطلب مساحة متسعة من الوقت لترجمة الأفكار والتصورات والابتكارات التي أشار إليها أحد الكتاب إلى واقع عملي منفذ ومعمول به على أرض الواقع يمكن أن يصيب الأهداف المرجوة من وراء التحركات الإدارية والمالية والتنظيمية الإصلاحية.. مسألة التطبيق والتنفيذ مكلفة ومرهقة للوقت وللمؤسسات والعاملين فيها.
الملاحظة الأخرى الملفتة للنظر التي أوردها عدد من الكتاب تتعلق بتكدس الحجاج في مشعري عرفات وخصوصاً منى، بحيث ألقي اللوم في ذلك على مؤسسات الطوافة لأنها كما قيل تأخذ على عاتقها استضافة أعداد من منسوبي البعثات والمؤسسات الإعلامية والصحفية.
الملاحظة هذه لا تخلو وحسب من عدم الدقة والصحة وانعدام المعلومة الحقيقية، وإنما تعتلي بتعميم مطلق ناصية الحقيقة وجبينها في سبيل تمرير منطق التشويه والتجريح والمعلومة المضللة. إن مؤسسات الطوافة لا يمكن أن تستضيف أعضاء البعثات الدبلوماسية ما عدا مندوب واحد من البعثات يفد من بلاده مع كل مجموعة حجاج عددهم 400 حاج لأسباب مختلفة متعارف ومتفق عليها بين الدول.. ناهيكم عن أن بمقدرة مؤسسات الطوافة استضافة الصحفيين والفنانين والمؤسسات الإعلامية التي قطعاً دائماً ما تضطلع بمهام استضافتهم وزارة الثقافة والإعلام وتبرع في ذلك بما لديها من إمكانيات وصلاحيات.
هنا اختلط الحابل بالنابل في عرف هؤلاء الكتاب وخلطوا بين مؤسسات الطوافة التي تعمل مع حجاج الخارج، وبين من يحج من حجاج الداخل أياً كانت صفاتهم، بل وتحدثوا عن تكدس للحجاج في مشعري عرفات ومنى لا يمكن أن يحدث في مخيمات مؤسسات الطوافة التي تقع تحت دائرة الملاحظة والمراقبة والمتابعة المستمرة والتدقيق المتواصل من مختلف الجهات والمؤسسات الحكومية بداية من وزارة الحج، مروراً بإمارة منطقة مكة المكرمة، ومن ثم وزارة الداخلية، ونهاية بهيئة الرقابة والتحقيق.
أخيراً أقدم الشكر كل الشكر لكل من يساهم في الكتابة من أجل خدمة وتحقيق أهداف ومصالح الوطن وفي مقدمتها خدمة ضيوف الرحمن في مكة المكرمة والمدينة المنورة والمشاعر المقدسة سواء بالنقد الموضوعي الهادف أو التذكير المخلص لمنفعة المؤمنين المعروف في شرع ديننا الحنيف ابتغاء مرضاة الله تعالى ولوجهه الكريم.
نعود لنقول مرة أخرى في نهاية المطاف أن الإصلاح لا يمكن أن يتحقق بفكرة أو خاطرة أو مشاعر فردية أو حتى بجرة قلم كاتب موهوب، وإنما يمكن تحقيق التجديد والإصلاح بفعالية ونجاح بدراسات علمية متعمقة ترتكز على منطق الحقيقة والواقع العلمي الذي بدوره يرتكز على الإحصائيات الدقيقة ومقاييس الأرقام الموضوعية ونتائجها.
drwahid@email.com