Al Jazirah NewsPaper Saturday  22/11/2008 G Issue 13204
السبت 24 ذو القعدة 1429   العدد  13204
المرأة والمجتمع: سياسة أم تقليد؟
فوزية البكر

قبل أكثر من ستة أشهر ضجت أروقة الأمم المتحدة بتقرير لجنة السيداو الذي حمل العديد من علامات الاستفهام حول بعض الأوضاع الخاصة بالمرأة السعودية ذات العلاقة بقدرتها على الحصول على حقوقها التي كفلها لها الإسلام وأعاقت الاتجاهات العامة السلبية والإجراءات التنفيذية داخل الأجهزة حصولها على كثير من هذه الحقوق.

وقبل أيام أصدر المجلس الاقتصادي العالمي (دافوس) تقريره للعام الحالي 2008م والذي يدور حول قياس الفجوة ما بين الجنسين مستخدما بعض المحكات المرجعية مثل فرص التعليم المتوافرة لكل من الرجال والنساء ونسب المشاركة السياسية والاقتصادية لكل منهما معلنا أن المملكة حصلت في هذا التصنيف على الموقع ما قبل الأخير بين الدول في قدرتها على سد الفجوة ما بين الرجال والنساء في هذه المجالات.

وكما قد نتوقع فإن الاتجاه الغالب يميل إلى مواجهة هذا النوع من التقارير على أنها تحمل توجهات معادية للمملكة بقصد تشويه سمعتها في المحافل الدولية كما قد تعمد بعض الكتابات المحلية التي تحاول أن تبدو ذكية ومنطقية لكنها تتماشى مع روح التكذيب العامة إلى التشكيك بطبيعة الإحصاءات أو البيانات أو الطبيعة الثقافية للمحاكات المقاسة واختلافها باختلاف الخصوصيات والمرجعيات لكل بلد ولنا في التقرير التصنيفي الذي صدر قبل عام ونصف وزلزل كيان جامعة الملك سعود حين وضعها في مرتبة متأخرة جداً بالنسبة للتصنيفات الجامعية العالمية خير دليل حين أنبرى المدافعون للتشكيك بمصداقية ذلك التقرير رغم أنني وكأحد العاملين في هذه الجامعة العريقة أشهد بأن لا أحد خدم الجامعة في تاريخها مثل هذا التقرير السيئ الذكر، كما لا شيء أرهقنا مثل هذا التقرير الذي جعلنا نقف على أطراف أصابعنا كل يوم مراقبين ما نفعل وما يجب أن نفعل ليس بحسب المستويات المحلية بل بناء على التصنيفات والتوقعات العالمية وها هي جامعتنا تركض (في جنون) جميل نحو العالمية والريادة من جديد بقيادات تمضي بعزم نحو المستقبل.

والأمر نفسه يصدق على مستوى الفجوة ما بين الجنسين في المملكة فمن يستطيع القول بأننا كنساء نتمتع بأي تمثيل أو مشاركة سياسية أو عامة حقيقية (وليست ديكورية) كما يتمتع الرجال رغم ضعف المشاركة العامة للرجل بشكل عام كمواطن؟. لكن وحتى في ما هو متاح لم يسمح حتى الآن للنساء بالمشاركة. لا في الانتخابات البلدية سواء بالترشح أو الانتخاب ولا بالتمثيل في مجلس الشورى ليس (كهيئات استشارية) بل كأعضاء تحسب أصواتهم ضمن التصويت العام وضمن أعمال اللجان المختلفة في المجلس.

المرأة أيضا ورغم التطور الكبير في إعداد الملتحقات لكل مراحل التعليم ورغم المشاريع العملاقة وخاصة في مجال التعليم الجامعي التي تتاح اليوم للمرأة السعودية (جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن) (الأقسام النسائية في الجامعات القائمة وفتح باب للتعليم الجامعي الخاص في بعض مدن المملكة الكبرى) إلا أن الكثير من التخصصات التي يحتاجها سوق العمل لازالت قصرا على الذكور مثل الدراسات البترولية والهندسية والميكانيكية وحتى التخصصات الدقيقة المطلوبة في سوق العمل داخل بعض القطاعات المتاحة مثل الدراسات التجارية والمحاسبية لا تتوافر للمرأة كما هي لزميلها الرجل ولنأخذ مثالا حيا وهي المعاهد المهنية النسائية التي تم نقلها إلى المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني عام 1428هـ وتم رفع مستوى ما كان موجودا منها كما تم افتتاح بعض الكليات التقنية النسائية في عدد من مناطق المملكة إلا أن التخصصات المتاحة في هذه الكليات ظلت تدور في رأس المخطط حول تلك الوظائف التي يجب أن تلتحق بها النساء لخدمة عالم النساء مثل المناكير والبديكير وتسريح الشعر والتصوير ولم يهملوا المرأة فسمحوا لها بدراسة الحاسب الآلي وتصميم الشبكات كموضوع جديد! (انظر تقرير المؤسسة للعام 2007م لترى ما هو متاح للبنين مقارنة بالبنات).

وبمأسوية أكبر يمكن الحديث عن توظيف المرأة الذي كان القطاع الحكومي راعيه الأكبر خلال سنوات التنمية الماضية بحيث مثلت نسبة العاملات في القطاعات الحكومية أكثر من 85% من العمالة النسائية في المملكة غير أن تشبع هذه القطاعات أدى إلى تقلص الفرص الوظيفية وهو ما أضعف مشاركة المرأة في القوى العاملة والتي كان يؤمل بنهاية الخطة الخمسية الثامنة (2005 - 2010م) إلى أن ترتفع إلى 14% لكنها تراجعت إلى حوالي 10%. نعم القطاع الخاص يتيح اليوم بعض الفرص الوظيفية بحيث حدث تحول في طبيعة الأعمال التي تلتحق بها المرأة السعودية حيث تقدر اليوم نسبة العاملات في القطاع الخاص بـ36% من نسبة العمالة النسائية في المملكة لكن تبقى الفرص المتاحة في القطاع الخاص محدودة في العدد ولا تتماشى مع الأعداد المتزايدة لطالبات العمل من الخريجات الجامعيات كما أنها لا تتماشى في شروط ومميزات العمل مع ما هو متاح للذكور في نفس المؤسسات إضافة إلى محدودية السقف الإداري الذي يمكن أن تصل إليه المرأة في كل القطاعات حكومية وأهلية ومن ثم وقعت المرأة السعودية أسيرة لإعداد تعليمي ومهني تقليدي في سوق عمل لا تتوافر به الكثير من المهن التي عرف تقليدياً بأنها متاحة للمرأة مثل التدريس والإدارة في المؤسسات التعليمية مما رفع نسب البطالة بين طالبات العمل الجامعيات من السعوديات إلى نسب تذكر التقارير الحكومية أنها تقارب 22% وتؤكد الكثير من التقارير والدراسات المتخصصة وصولها إلى أكثر من 35% وفي الحق لا نحتاج إلى كل هذه النسب لنرى هذه الحقيقة المعاشة بيننا جميعا والتي تظهر في صراع كل هذه الأسر وهؤلاء الخريجات لاقتناص أي فرص وظيفية متاحة مهما كان مستواها الوظيفي أو دخلها.

التوجه السياسي بلا شك يمثل دعامة حقيقية لأي منجز حضاري ودعم الملك عبدالله اللامحدود للمرأة تمثل في استصدار الكثير من القوانين الحكومية التي قصد منها التقليل من حجم الصعوبات والعوائق الحكومية والإدارية والإجرائية التي تقف في وجه المرأة الراغبة في الحصول على عمل مثل التخفيف من القيود في قضية المحرم عند القيام ببعض النشاطات التجارية والمهنية، استصدار البطاقات الشخصية وتخفيف شروط العمل ضمن القطاعات الخاصة لتسمح بخيارات أكثر للمرأة لكن الكثير من القوانين التي تم استصدارها وعلى رأسها على سبيل المثال شرط المحرم والتي أقر مجلس الوزراء عام 2004م بإلغائها خلال عام إلا أن غلبة السائد والتقليدي ظلت هي الغالب على قوة القانون ومن ثم يتم التنصل وتضييع حقوق المرأة في الكثير من القطاعات بحكم عدم وجود المحرم.

وحتى نتمكن من خلق بيئة داعمة لفكرة التساوي الإنساني ما بين الجنسين رغم اختلاف الوظائف الطبيعية لكليهما فيجب استصدار أحكام لا تنظر إلى جنس المواطن بل إلى الفرصة التعليمية أو التدريبية أو المهنية المتاحة له إذ إن الكثير من القوانين التي بني عليها تعليم وعمل المرأة أو مشاركاتها السياسية والعامة والاقتصادية في المملكة مبنية أساساً على أن المرأة (تمتلك طبيعة خاصة) هي أقل من الرجل ومن ثم تمنح نصيبا أقل من مؤسسات التعليم سواء في العدد أو النوعية أو في سوق العمل المتاحة أو في المشاركة العامة.

أظن أن تقرير دافوس نفسه يحمل علامات عجيبة يجب أن تدفعنا هنا في المملكة إلى مراجعة حقيقة للذات، فالكويت وهي دولة خليجية احتلت المركز الأول بين الدول العربية في حساب مؤشر قدرتها على تقليص الفجوة بين الجنسين بالمركز 101 بين دول العالم وكذلك دولة الإمارات العربية المتحدة بالمركز 106 رغم أنها دول تشترك معنا تقريبا في كل شيء حتى الأنساب والعادات والعوائل لكن قوانين المواطنة فيها والمشاركة في التمتع بالحقوق المدنية والوظيفية لا يبنى على أساس الجنس بل على أساس الأحقية والكفاءة رجلاً كان أو امرأة.

أقول لكم جميعا.. المرأة وبقيادة الملك عبدالله قادمة بقوة وعلينا أن نعد البيئة المؤسسية قانونيا وثقافيا كما يجب مقاومة وتهذيب هذه العقلية الذكورية المتجذرة في المؤسسات العامة والخاصة حتى نستطيع أن نحقق الشروط الإنسانية المتوازية لكافة المواطنين بغض النظر عن أصولهم الجنسية أو العرقية بحيث نتحد معا لبناء وطن هو أغلى ما نملك.






 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد