كان الأولون من البادية أذكياء جداً فيما يتعلق بالمنزل، بمعنى أنهم يختارون الأرض المرتفعة جداً لبناء بيت الشعر، حتى ولو كانوا في فصل الصيف؛ لأن هناك ما يسمى (جذيب) وهو الماء الكثير الذي يأتي في الأودية من مكان بعيد نزل فيه فجاء سيلاً مع الوادي؛ فيخافون أن يجرفهم السيل ليلاً وهم نائمون ولو كانوا في حمّارة القيظ؛ ومن أمثالهم (منزلة سنود)؛ أي مرتفع، والسند عندهم هو الأرض المرتفعة الحامية من مخاطر السيول.
هذه الحكمة أو اللمحة فاتت على كثيرين ممن يبنون منازلهم في الهجر أو القرى الحالية؛ فكانت النتيجة أن جاءت سيول لم يحسب لها السكان ولا مسؤولو البلديات أو وزارة النقل حساباً؛ فتهاوت بيوت كثيرة أو حاصرها السيل وعزلها وسط بحيرة خطيرة.
هجوم السيول على الهجر والقرى لاحظناه بشكل واضح مع كثرة الخير والمطر الحالي، ولعل أسوأ مثال تتحمل مسؤوليته وزارة النقل هو (أرطاوي المطران) الذي يقع بجوار واد ضخم له فروع تتحد حتى تجتمع عند أرطاوي المطران، ثم تتجاوزه إلى فضاءات أخرى. وسوء تصريف السيول قرب الهجرة جعلها تكتظ حتى تخالف مسارها الطبيعي وتتفرع شعاباً إلى القرية وتحتلها بلا رحمة ولا هوادة بل حالت بينهم وبين مضخات مياه الشرب المعدّة لسقيا القرية، وتم إنقاذ الطالبات بأيدي المواطنين من السيول التي أحاطت بالمدرسة وقطعت السبل، واستنفر أهل القرية، وبخاصة شبابها، كل طاقاتهم الذاتية لإنقاذ البشر، خصوصاً أن هناك كبار سن ومقعدين أحاط ببيوتهم الماء من كل جهة.
والسبب في هذه الكارثة أن مجرى الوادي الذي يمر من الهجرة قد كانت له فتحة كبيرة ثم تحولت إلى فتحات صغيرة هي أقل من أن تستوعب مياه واد كبير وضخم؛ فما كان للماء من سبيل إلا أن يعود على القرية انتقاماً من وزارة النقل على تصرف مهندسيها اللا مسؤول؛ والضحية هم سكان أرطاوي المطران؛ وأمثلة ذلك كثيرة جداً خلال نزول الأمطار هذه السنة.
لك أن تتخيل الكوارث التي حصلت خلال خمسة أيام فقط من تساقط الأمطار، ولك أن تتخيل أن الأمطار استمرت أسبوعاً آخر فما هي النتائج؟؟ الله أعلم وأرحم بعباده من إهمال عباده بهم.
يجب على المسؤولين في البلديات حماية القرى من الأودية التي قربها، وذلك بتحسين أطراف الأودية التي تعبر القرى أو تمر بالقرب منها، وأيضاً يجب على وزارة النقل إعادة النظر فيما يسمى (عبارات)؛ لأن تلك العبارات أصبحت لا تستوعب كميات السيول الخطيرة، وما حصل هو جرس إنذار لمَن لا يخطط بعناية وإتقان؛ فهل نعرف مخاطر التسامح أم نعمل بحذر وجد؟
فاكس 2372911
Abo_hamra@hotmail.com