كم مساحة الإعلام في حياة الإنسان؟
كم ساعة من الوقت يستغرق الإنسان في الاستهلاك الإعلامي يومياً؟
أعتقد أن وسائل الإعلام تحيط بنا من كل جانب؟ فلم نعد نستطيع الانفكاك من هيمنة الإعلام مهما حاولنا..
فالإنسان والإعلام أصبحا متلازمين في حياتنا العصرية.. وأصبحت إطلالة الإنسان على وسائل الإعلام من الحتميات اليومية التي اعتاد عليها البشر في هذا العصر.. أو لنقل إن إطلالة الإعلام على الناس أصبحت جزءاً لا يتجزأ من خارطة الوقت الذي يمتلكه الإنسان.. ومعروف أن الإنسان يملك أربعة وعشرين ساعة يومياً، وعليه أن يملأ هذه الساعات بما يريد من عمل وترفيه ونوم وغير ذلك من النشاطات المختلفة، بما في ذلك إعطاء الإعلام مساحة من وقته، ومن اهتماماته اليومية.
وبطبيعة الحال، فهناك أناس يعطون وقتاً محدوداً، وهناك أناس يعطون الإعلام وقتاً أطول، وهناك أناس مدمنون على الإعلام، وربما أناس آخرون يحاولون التحرر من قيود الإعلام، والخروج عن دائرة تأثير المؤسسات الاجتماعية التي يحاول أن يكرسها الإعلام على الناس. وليس غريباً أن تنشأ في مجتمعات غربية اتجاهات لمقاطعة التلفزيون على سبيل المثال، على الأقل يوماً واحداً في العام، حيث تحاول مثل هذه الجمعيات أن تحرر الناس من سطوة التلفزيون.
وإطلالة الناس على وسائل الإعلام تختلف من مجتمع لمجتمع، فالمجتمعات الأمية والأقل تنمية تجد الإذاعة والتلفزيون هي الوسائل الأكثر تأثيراً على حياة الناس، بينما نجد الصحافة المطبوعة لها تأثيرها وحضورها في المجتمعات المتقدمة؛ لأن الأمية القرائية لم تعد عقبة أمام متابعة الناس للكتب والصحف والمجلات. ودخول الإنترنت كوسيلة نوعية في حياة الناس يجعل العالم منقسماً بين مجتمعات ذات إمكانيات تكنولوجية واسعة تستطيع أن تتواصل مع هذه الوسيلة الجديدة، وبين مجتمعات لا مكان للإنترنت في حياتها بسبب ضعف تواجد التقنية في تلك المجتمعات. وهكذا فإن النظام الاجتماعي بما يتضمنه من محددات وعوامل وظروف اقتصادية وسياسية واجتماعية هو المحك الأساس في تعرض الناس إلى مساحة أكبر من وسائل الإعلام، أو تعرضهم لمساحة محدودة مع هذه الوسائل.
وسؤال تأثير وسائل الإعلام على الناس هو سؤال قديم جداً بقدم تاريخ هذه الوسائل، ولا توجد إجابة حاسمة لهذا التأثير. فقد رأى باحثون في الفترة ما قبل وبعد الحرب العالمية الثانية أن وسائل الإعلام لها تأثيرها السحري على الناس، وشبهها البعض بالطلقة أو الرصاصة؛ للدلالة على أن تأثير الإعلام هو أشبه بوصول الطلقة أو الرصاصة إلى هدفها.. ولكن تراجعت هذه النظرية فيما بعد، ودخلت نظريات تنادي بأن تأثير الإعلام ضعيف، ويجب أن نفهم هذا التأثير من خلال العلاقات الاجتماعية التي تتداخل مع تأثير الوسائل الإعلامية، أي أن قوة وسائل الإعلام لا تظهر مباشرة، ولكن بطريقة غير مباشرة على الناس.. ثم استعاد الإعلام قوته بظهور نظريات جديدة منذ مطلع السبعينيات الميلادية من القرن العشرين، عندما ظهرت نظرية تحديد الأولويات ونظريات استخدامات وسائل الإعلام وغيرها من النظريات، التي تقول إن لوسائل الإعلام دوراً قوياً في التأثير على المعارف والاتجاهات وأحياناً السلوكيات.
اليوم، عندما يطل شخص على وسائل الإعلام فهو - بلا شك - يعرض نفسه للتأثير المباشر أو غير المباشر، ولهذا ربما يتحاشى الناس هذا التعرض، وهؤلاء قليلون جداً في المجتمعات الإنسانية. ولكن الأغلبية من الناس يتعرضون لوسائل الإعلام، ليس من أجل أن يتأثروا بها، بل من أجل أن يتعرفوا على ما يدور في العالم من أحداث وأزمات، والبعض الآخر يتعرض لوسائل الإعلام من أجل الترفيه والتسلية، وربما تمضية الوقت والتنفيس من ضغوطات الحياة والعمل والمحيط الاجتماعي. ولهذا فإن وسائل الإعلام تمتلك مبادرة التأثير حالما يحدث تماس بين عيون أو أسماع أو عقول المتلقي ومضامين وسائل الإعلام. وهذا التأثير - بطبيعة الحال - يختلف من وسيلة لوسيلة، فهناك وسائل ذات قوة تأثير كبيرة، وهناك وسائل ذات تأثر محدود، وهناك وسائل لها رسالتها الاجتماعية التي تبثها، ولكنها تسترجع صدى عكسياً ضد أهداف الرسائل الإعلامية.
والسؤال المهم هو: ماذا عن الإنسان السعودي والإعلام؟ ماذا يعطي هذا الإنسان المواطن لوسائل الإعلام من وقته اليومي؟ وما المساحة الزمنية في البرنامج اليومي للمواطن التي يحتلها الإعلام؟ ثم يتلو ذلك سؤال آخر: ما مدى تأثير وسائل الإعلام على هذا المواطن؟ وسؤال أكثر خطورة: ما الوسائل الإعلامية التي تؤثر في المواطن؟ وكم منها تنضوي تحت سيطرة إعلامية محلية؟ وكم منها يكون تأثيره من الخارج؟ ونتائج الدراسات الإعلامية تشير إلى أن وسائل الإعلام غير السعودية تحتل مساحة أكبر من اهتمام ووقت المواطن السعودي، بمعنى أن وسائلنا المحلية بدأت من أكثر من عقد في التراجع ولم تعد تتصدر اهتمامات المواطن الإعلامية.. خاصة بعد أن انفلت زمام الفضاء (التلفزيون) والأرض (الإنترنت) وأصبحا مفتوحين للعالم، أن يرسل بما أراد ويقذف بما شاء في عقول الناس، ومعارفهم ومشاعرهم وخبراتهم.. وأصبحت وسائل إعلامنا مجرد متفرج وشاهد على حقائق الإعلام الجديدة..
المشرف على كرسي صحيفة الجزيرة للصحافة الدولية
أستاذ الإعلام المشارك بجامعة الملك سعود
alkarni@ksu.edu.sa