المفردة الشعرية هي حجر الزاوية في القصيدة؛ فلكل مفردة وقع خاص ودرجة إقناع فنية خاصة؛ حيث تتناغم حرفاً وصوتاً وإيقاعاً؛ لتشكل المغزى المراد إيصاله والمعنى المكمل لذاته في البنية العامة للنص، معتمدة على قدرة الشاعر وذكائه في توظيفها وتفجيرها في المشهد الشعري، بإيقاع داخلي ودلالة شعرية تؤهلها لاستدراج ذهن المتلقي لفضاء النص، فهذه المفردة لا يمكن تحديد غايتها وصفتها إلا عن طريق المفردات الأخرى التي تليها لتتم عملية اتساق الأنساق بعضها مع بعض؛ فالمفردة من خلال المعنى تعبر عن مكنونها، وتصف الحالة المراد إيصالها؛ حيث تتناغم بنائياً وإيحائياً؛ فمنها السهل، ومنها الموحش والحاد والقاسي، ومن هذه الرؤية نتعرف على معالم النص وتماسكه والمستوى المعجمي للشاعر وترابط وتداعي المفردات بعضها مع بعض. يقول براون ويول في هذا الشأن: (إن الكلمة في الخطاب الشعري يتم التعامل معها باعتبارها كلمة مشحونة بدلالات متعددة المشارب: دينية ثقافية، اجتماعية، حضارية بصفة عامة، وليس فقط كلمة عادية تؤسس علاقة مباشرة تعينيه مع مراجعها) ثم يستطرد في ذلك بقوله (اختيار المفردات في العمل شعري يعد بالضرورة جزءاً من البنية الجمالية للعمل، ويدخل في علاقة معقدة مع مكوناته الأخرى، وهكذا يجب أن يقوم الدارس من خلال وجهة نظر هذه المقصدية البنيوية)، فإن عملية الإبداع الشعري ترتكز في إبداع اللغة وقدرة الشاعر المتميزة بأسلوب ينفرد في نسج العلاقات الفنية الجديدة بين المفردات، ومن تلك الخصائص والسمات التي أسست المفردة عمقها وجمالها الفني الجرس والإيقاع ودلالته على المعنى الرمزي والانفعالي والترادف والتضاد والإيحاء والخيال التي من خلال هذه العوامل يصل الشاعر بأسلوبه وثقافته وفلسفته التي تؤهله لاختيار مفرداته المناسبة ونسجها في نسق يستحوذ على ذائقة المتلقي وإرضاء نهمه، فأصبح لكل شاعر مفردات خاصة تتكرر في معجمه الشعري وله تراكيب خاصة.. بل نجد بعض الشعراء لا يخلو نص من نصوصه من مفردات ملازمة له، يكررها ويوظفها في حقل دلالي جديد، وقد نميزه في أحيان كثيرة عن غيره من حيث معجمه اللفظي. إذن عملية تجسيد النص الشعري تنطلق من استعمال المفردة بإيقاعها الداخلي وبإيماءتها ومدلولاتها في توظيف جديد. والذي أحب أن وأكد عليه هنا أنني لست ضد الشاعر باستخدامه المفردة القديمة وبُعدها البيني - الزماني في النص.. بقدر ما يجب على الشاعر توظيفها بصورة إبداعية تناسب مستوى الوعي الذي وصلنا إليه والعصر الذي نعيشه والثقافة التي وصلنا إليها؛ فالقصيدة هي قراءة لشاعرها في المقام الأول، أي معبرة عن شخصيته وكينونته، وهناك من يقلّد مَن قبله في كتابة القصيدة ومفرداتها، لدرجة أننا لا نفرق بين قصيدته وبين قصيدة كُتبت قبل خمسة عقود لغة، وفكرة، ومعنى.. يقول الشاعر والناقد عبد الله رضوان في كتابه البني الشعرية: (.. فإن الموقف التقدمي في الفن هو جوهره وإيقاعه المرئي، ولكن الاعتراض ينصبّ على طبيعة الصياغة الشعرية، على الأنساق اللغوية المستخدمة أو السائدة، على كيفية توظيف المفردة اللغوية، وهي بطبعها شبه حيادية إلى أن تأخذ خصوصيتها في نسقها اللغوي الذي تجري بناؤه شعرياً، فالشاعر والشاعرة إنما هما كلمات صنعتهما اللعب الاحترافي بالمفردات لكي يتحقق الحضور الشعري عبر الإزاحات اللغوية، الاستعارية، الصورة، كأدوات رئيسية لتحقيق بناء شعري..).