تلقيت رسالة من إحدى القارئات تقول فيها: (نحن النساء السعوديات في غاية السعادة؛ مكفولات مخدومات مرعيات؛ وضعنا يحسدننا عليه (كل) نساء العالم. فدعونا وشأننا أرجوك)!
سيدتي الفاضلة هذه تخطئ إذا كانت تعتقد أنني، ومن يقف معي نفس الموقف، سنفرض عليهن حقوقهن بالقوة؛ فالتي تأبى أن تنال حقوقها الإنسانية، لن يفرض عليها أحد هذه الحقوق أبداً. كل ما نطالب به -يا سيدتي- ونعمل من أجله، أن يتاح للنساء (حرية) الاختيار. فالمرأة التي لا تريد أن تعمل، وتفضل البقاء كائناً هامشياً في حياة الرجل لن يأتي أحد ويطرق عليها باب بيتها ويفرض عليها العمل. والتي لا تريد أن تقود السيارة لن يُفرض عليها -إطلاقاً- أن تقود سيارتها بنفسها. والتي ترى أن البيع في المتاجر، أو العمل في المؤسسات العامة والخاصة لا يجيزه الدين، لن تُأخذ (بالقوة) لتنفيذ هذه الوظائف.
ولكن من يَرينَ خلاف ذلك، ولا يجدن في هذه العادات والتقاليد (قدسية) تحتم عليهن أن يلتزمن بها، لماذا يفرض عليهن الرأي الآخر بالقوة؟
القضية -كما هو معروف- محل اختلاف بين الفقهاء، فهناك من يرى المنع، وهناك من يرى السماح بشروط؛ ونحن نقف مع الرأي الآخر الذي يرى الإباحة ليس إلا.
والذي (يُسفّه) الرأي الآخر الذي يقول بالإباحة، هو في التحليل الأخير يرفض (فقه الاختلاف)، ويسعى إلى فرض رؤيته (الذاتية)، ويرفض الرؤى الاجتهادية الأخرى التي اتفق على قبولها -من حيث المبدأ- الأئمة الذين أقروا (الاختلاف)، وتعاملوا معها بكل رحابة صدر، بعيداً عن التعصب المذموم.
كل ما نطالب به أن يتاح للنساء (حرية الاختيار)؛ فمن تريد أن تنال حقوقها فمن حقها أن تنالها، ومن تريد أن تبقى على وضعها فتبقى على وضعها، لا أكثر من ذلك أبداً.
والأمر لا يختلف إطلاقاً عن قضية تعليم البنات؛ فعندما اعترض البعض في بداية الثمانينيات هجرية من القرن الماضي، على فتح مدارس لتعليم المرأة كان الخطاب الرسمي: من يجد حرجاً في تعليم بناته فيمنعهن، ومن أراد تعليمهن فالمدارس متاحة. كل ما نطالب به أن تعامل هذه القضية بنفس معايير (إتاحة) تعليم البنات آنذاك، ويترك للناس حرية الاختيار.
ولا أدري لماذا يرى البعض أن إعطاء حرية الاختيار للمرأة سيكون سبباً في انحرافها. إذا كانت المرأة غير محصنة من الداخل، وليس لديها (الوازع) الذي يمنعها من الفساد والانحراف فلن تعدم السبب لتنفيذ رغباتها. ويخطئ من يظن أن (المنع)، والمراقبة، وافتراض سوء النية في المرأة، وكذلك الرجل، من شأنه أن يقيم (مجتمع الفضيلة) كما يردد بعض المتشددين. الذي يصر على هذا الرأي هو كالذي يكسر المرآة كي لا يرى الندوب على وجهه؛ ألا ترى عيوبك لا يعني أن الآخرين لا يرونها؛ لدينا -مثل أي مجتمع آخر- جميع أنواع الانحرافات، وبنفس النسب قياساً بعدد السكان إذا لم تكن أكثر؛ ولسنا - إطلاقاً- كما يظن البعض (غير)؛ نحن جزء من هذا العالم نتأثر به، ونتعلم -كذلك- منه، ونستفيد من علمه ودراساته. المرأة التي لا تعمل أقرب للفساد والانحراف من المرأة العاملة؛ بل لن أكون مبالغاً لو قلت: إن البطالة -كما تقول كل الدراسات الاجتماعية- هي السبب الرئيس للانحرافات الأخلاقية في كل مكان في الأرض؛ ومن قال غير ذلك فهو إما يغالط أو هو جاهل؛ هذا لا أقوله لنا، وإنما تثبته كل الدراسات (العلمية) في العالم، الذي (نحن) جزء منه، ولم نأتِ إليه من (المريخ).
حرية الاختيار -يا سيدتي- حق إنساني مبدئي، هو لك مثلما هو في المقابل لمن تختلفين معها، ويجب أن يتاح للجميع؛ هذا كل ما هنالك.
إلى اللقاء