بدءاً بدارفور ذلك الجزء من السودان، المنطقة الصحراوية القاحلة بحجم فرنسا أو إسبانيا، الواقعة غرب السودان فيها من القبائل العربية الرعاة (رزقات والمعاليا) وغير العرب المزارعين المستقرين (الترجم والفور والمساليط والزغاوة).
هذه المنطقة التي حمل أهلها السلاح بحجة أن حكومة الخرطوم أهملتهم. هنالك تقديرات بأن ما يربو على مليونين ونصف قد هجروا من بيوتهم نتيجة للعنف في المنطقة. ودارفور أحد أقاليم السودان، وكنت سلطنة مستقلة لمئات من السنين ثم ضمت إلى السودان زمن الاحتلال البريطاني لمصر والسودان، والإقليم ينقسم إلى ثلاث ولايات: دارفور الغربية ودارفور الجنوبية ودارفور الشمالية، ونتيجة للصراع المسلح فيه تحول إلى حالة طارئة إنسانية منذ عام 2003م. وتشترك الأمم المتحدة بمحافظين على السلام في الإقليم يبلغ عددهم 3000 يضاف إليهم 7000 من منظمة الوحدة الإفريقية، ويرى الرئيس السوداني عمر حسن البشير أن قوة الوحدة الإفريقية كافية للحد من الصراع في المنطقة ويمارس ضغطاً على الأمم المتحدة بقصر مشاركتها على المساعدات المادية واللوجستية.
ثم هناك القرصنة البحرية التي تمارس في جنوب البحر الأحمر وفي خليج عدن، في البحر الأحمر بارا نويا، وهم من صيادي الأسماك أو الطالبين وقوداً لقواربهم وهنالك الانتهازيون من صيادي الأسماك ويمكن تجاهل هذين النوعين أو صرفهم دون عناء كبير، وهنالك المسلحون الذين يشكلون خطراً على البواخر ويقومون بعمليات قرصنة فعلية واحتجاز للبواخر والمراكب البحرية. أما ما يحدث في خليج عدن فيعتبر قرصنة بحرية حقيقية.
أما الوضع في كل من باكستان وأفغانستان والعراق الذي يربط بينها عامل مشترك، صراع أمريكا في المقام الأول ورئاسة الجنرال بترايس، القائد العام للقيادة العسكرية الأمريكية الموحدة لشرق إفريقيا والشرق الأوسط ووسط آسيا، الذي يحاول التفاوض مع طالبان الذين اشتدت هجماتهم على كابل. وما يخيب آماله الوضع القبلي المعقد في أفغانستان، والذي لا يقارن بالعراق، الذي يعتبر مترابطاً نسبياً، وطالبان لن تفاوض وهم يشعرون أنهم يحققون انتصارات. وعلى الحدود الباكستانية الأفغانية هناك أعمال عسكرية لمحاربة فلول القاعدة، ويروح ضحية هذه الهجمات المئات من المدنيين الذين يلجؤون إلى ترحيل أسرهم إلى أماكن داخل باكستان بعيداً عن القصف الأمريكي. ويلاحظ أنه بعد عملية فندق ماريوت في إسلام أباد هنالك تقارب بين الجيش الباكستاني والحكومة، مما سيكون له انعكاس إيجابي على الوضع الأمني بشكل عام.
وبالنسبة للعراق فالمفاوضات جارية بين الإدارتين العراقية والأمريكية فيما يتعلق بإنهاء الاحتلال، علماً أن الاتفاق العراقي الأمريكي ينتهي بنهاية العام الحالي (نهاية شهر ديسمبر). ومسألة الاتفاق على الانسحاب مسألة في غاية الحساسية، وإن لم يكن هناك اتفاق قبل نهاية العام فستضطر القوات الأمريكية إلى التراجع والتمركز في قواعدها. والاحتمال كبير لأن يوقع اتفاق قبل نهاية العام، ولربما أن حكومة المالكي تود أن توقع اتفاقاً مع أوباما في حالة فوزه بالرئاسة الأمريكية. أما إيران فهي الآن ضد بقاء القوات الأمريكية في العراق، وكانت قبل ذلك تؤيد بقائها، السبب: تغير موقف الأمريكان بالنسبة للسنة في العراق. أما قضية التفاوض مع أمريكا بالنسبة لطالبان أو بالنسبة للمالكي في العراق، فقد يقولون لماذا نتفاوض مع حكومة راحلة وهنالك حكومة جديدة قادمة. أما الوضع على الحدود السورية - العراقية فتحول إلى وضع يشبه نظيره على الحدود الباكستانية - الأفغانية، وتشن القوات الأمريكية حملات عسكرية داخل الحدود السورية بذريعة القضاء على تهريب المتمردين والأسلحة إلى العراق.
أما قضية أحمدي نجادي، الرئيس الإيراني، فتعرض في الآونة الأخيرة إلى حالة مرضية، قد يكون مرضاً سياسياً أو حقيقياً، وهو من يعمل ساعات طويلة، وقد يكون وراء مرضه ذلك الوضع الراهن الذي تتعرض إليه إيران: البطالة المرتفعة، انخفاض أسعار النفط، فرض الضرائب، وخفض أو توقف الإعانات الحكومية للمواطنين، كل ذلك سيضعف تحالفه مع الناس. وهذا الرئيس يواجه معضلة كبيرة لم يحسب لها حساباً، إلا أنه لا بد أن يحسب للانتخابات في الصيف القادم ألف حساب، في ضوء تلكم المستجدات.
انخفاض الأسهم في الغرب بدأ بأمريكا أثر على أسواق الشرق بما في ذلك العملات، وصندوق النقد الدولي حاول (IMF) من عشر سنوات ضخ 100 بليون دولار لمساعدة بعض الدول، ويذكرنا ذلك بالأزمة المالية الآسيوية في عام 1990م التي صاحبت تغير الحكومات في كوريا الجنوبية وإندونيسيا وتايلاند. والآن الصندوق الدولي لديه 17 بليوناً من الدولارات لمساعدة عدد من الدول مثل أوكرانيا، وقد تحتاج ذلك باكستان التي تمر بظروف سياسية واقتصادية معقدة. وتضطر الدول المحتاجة إلى الاستجابة لشروط الصندوق الدولي، وعددها الآن يصل إلى اثنتي عشرة دولة. والوضع الاقتصادي، الذي مرت به اليابان في 90-1991م، نتج عنه توجه الناس إلى وضع مدخراتهم في مساكنهم بدلا من البنوك، وقد يكون ذلك من الصعوبة بمكان بالنسبة لبلدان أخرى تكثر فيها سرقات المنازل.
وانخفاض أسعار النفط الحالية دون 70 دولاراً يقابلها انخفاض في معدلات الاستهلاك، وقد أشرت إلى ذلك في مقالة في هذه الصحيفة في شهر يونيه الماضي.
وستعاني روسيا وفنزويلا وإيران من هذه الانخفاضات، ولربما تأثرت بقية الدول النفطية بذلك. والملاحظ أن الأزمة المالية الأمريكية، الذي يتأثر بها العالم، لا تزال تتفاعل، فلو سقطت جنرال موتورز (التي توظف 230 ألف عامل في أمريكا) سيكون لها تأثير على أمريكا وعلى العالم، والظاهر أنها سوف تبتلع شركة كرايزلر. والشيق في الأمر أن ما هو جيد لدولة فهو جيد لأخرى، فليس في صالح الصين، التي تشتري بضائعها من وول مارت، أن تنخفض القوة الشرائية للأمريكان.
والوضع في الكونغو، الذي راح ضحية الصراع فيه ما يربو على 4 ملايين من البشر منذ 1988م. واليوم هنالك 17 ألف من المراقبين الذين أوفدتهم الأمم المتحدة للحد من هجمات المتمردين، ولا يؤثرون كثيراً على طول الحدود مع جارتهم الشرقية رواندا.
والكونجو (التي كانت تعرف بزائير) وحربها الثانية، والتي يطلق عليها أحياناً بحرب إفريقيا العالمية والحرب العظمى الإفريقية، انتهت في عام 2003م. والصراع قد يكون له أبعاداً اقتصادية (الطين الأسود)، الذي يستخدم في عزل الصفائح الإلكترونية للهاتف الجوال والإلكترونيات الأخرى رخيص الثمن هناك وعليه طلب كبير، وكان يطلق على منطقة إنتاجه (الكويت داخل الكونجو)، كناية عن غنى المنطقة المنتجة له. إذن هنالك حرب على الموارد الاقتصادية من قبل فئات عرقية متناحرة: لقد قتل مئات الآلاف من التوتسي من قبل الهوتو. أما الآن فهنالك الآلاف من النساء والأطفال الذين ينامون في العراء يفترشون أرضاً مبللة باردة ينهشهم الجوع والبرد.
سؤالان أختم بهما المقالة: هل المشكلات والمعضلات التي يتعرض لها البشر دلالة على حسن تنظيم في المجتمع أو سوء تنظيم له؟