إن الأديان التي أراد بها الله عز وجل إسعاد البشر لا ينبغي أن تكون من أسباب شقائهم، وأن الإنسان نظير الإنسان وشريكه على هذا الكوكب، فإما أن يعيشا معا في سلام وصفاء، وإما أن ينتهيا بنيران سوء الفهم والحقد والكراهية، هذا ما أكده خادم الحرمين الشريفين في كلمته التي ألقاها أثناء اجتماع الحوار في مقر الأمم المتحدة.
وكما قال حفظه الله إن التركيز على نقاط الخلاف بين أتباع الأديان والثقافات قاد إلى التعصب وبسبب ذلك قامت حروب مدمرة سالت فيها دماء كثيرة لم يكن لها مبرر من منطق أو فكر سليم، مع العلم بأن كل الأديان والمذاهب تدعو إلى أن يكون الإنسان صالحاً في مجتمعه، لا يضر أحدا.
هذا يدعونا إلى أن نذكر الجميع أن الدين الإسلامي هو الدين الوحيد الذي يعترف بسيدنا موسى وبما يدعو به، وبسيدنا عيسى وبما يدعو الناس به. وبما أنه يوجد أكثر من مليون مبشر مسيحي في آسيا وإفريقيا يمثلون أكثر من 3.500 منظمة وجمعية تبشير في الغرب.
لذلك يجب علينا بجانب حوار الأديان والثقافات، ألا نتوقف عن الدعوة، ونحاول أن نجعل العالم يتبع دينا واحدا إن شاء الله، وهو الدين الذي يجمع الأصول الطيبة في الأديان الأخرى الأصلية. ولذلك فالحديث عن الدعوة والدعاة ذو شجون. والدعوة إلى الله كلمة عظيمة حث عليها الخالق عز وجل.
والحديث عن الدعاة طويل وشيق. ودعاة هذا العصر يجب أن تكون لديهم خبرة أكثر من دعاة الأمس. فنحن اليوم في عصر الذرة والليزر والمعلومات، وبجانب ذلك فهو عصر الإعلان والدعاية والإنترنت، والخبر يصل من مشرق الأرض إلى مغربها في أقل من ثوان.
لذلك الداعية الجيد في هذا العصر يجب أن يكون حكيما يزن الكلمة قبل قولها، يبتعد عن أمور السياسة، متواضعا، لديه القدرة على الإقناع، واسع الأفق، ملما بالعلوم الأخرى، مخلصا للدعوة، حليما لا يغضب بسرعة؛ لأن ميدان الدعوة صدور الناس ونفوس البشر المختلفة العقائد والملل، وضبط النفس هو أبرز صور الحلم وليس عجزا كما يتصوره البعض. وتذكروا قوله سبحانه وتعالى: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (125) سورة النحل.
كما يقول سبحانه وتعالى: {يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} (269) سورة البقرة.
وعلى أقسام الدعوة في الجامعات أن تبدأ بتغيير شروط الالتحاق بها. وأن تطالب بأن من يقبل فيها من القسم العلمي. وقد كتبت سابقا مطالبا بإلغاء ما يسمى الأقسام الأدبية في التعليم العام، وماذا تعني كلمة تعليم عام؟ مجرد تساؤل. وقصر التعليم العام على دراسة مزدوجة للعلوم والآداب بحيث يتزود أي خريج في التعليم العام خبرات هو في أشد الحاجة لها في إكمال مسيرته العلمية. سواء كانت هذه المسيرة لتخريج دعاة أو تخريج علماء ذرة.
كما يجب تدريس الدعاة علم النفس وعلم طرق وأساليب الدعاية والإعلان، بجانب اللغات الأجنبية أي أن يكون كل متخرج ملما بلغة أجنبية على الأقل، ومتدربا على استخدام جميع وسائل التقنية الحديثة. من جوال وبلوتوث، والتعرف على جميع الطرق للدعوة وخدمة الإسلام عبر الإنترنت. لأن هناك أسبابا كثيرة تجعل الإنترنت في مقدمة وسائل الدعوة إلى الله.
والداعية الجيد من يحاول التركيز على الوصول إلى عقول وفكر المشاهير من رؤساء ووزراء الدول غير الإسلامية، وكل شخص مشهور في تلك البلاد مثل نجوم الرياضة والفن، والعلماء والقضاة ومحاولة استمالته ودعوته للدخول في الدين الإسلامي. وجعل الكثيرين يفكرون في الإسلام كمنهج لحياتهم. كما نحاول أن نزيد من أعداد هؤلاء المشهورين في تلك الدول العظمى المتعاطفين مع الدين الإسلامي في الوقت الحاضر. وإن شاء الله يأتي اليوم الذي نراهم يدخلون في دين الله أفواجاً.
إننا في حاجة إلى دعاة لديهم المعرفة الكافية بعلوم هذا العصر ولغاته ومعرفة بالإعجاز العلمي في القرآن الكريم وتفسيره، بحيث يعرف كل منهم كيفية الوصول إلى قلوب ناس أشد قسوة من قلوب سادة قريش في الجاهلية. ففي تلك الدول يسألون الكثير والكثير. وإذا كان الداعية ذا نظرة قصيرة، أو يجهل كثيرا من الأمور فخير له أن يبقى في بيته. وألا يكون السبب في زيادة التعنت وتصلب الرؤوس لدى غير المسلمين.
وتذكروا على سبيل المثال أن الربا، قيل ما حرم إلا بعد فتح مكة. وحرم الخمر في العام الرابع للهجرة. لذلك كان منهج رسول الله في الدعوة هو التدرج في الأوامر والنواهي. أي التدرج من واجب إلى واجب، حتى يتحقق المقصود من تبليغ الحق.
والداعية الجيد هو من يثقف نفسه يوميا سواء بالقراءة أو المشاهدة أو السؤال ممن هم أعلم منه في بعض أمور الدين والدنيا. وأسئلة الناس كثيرة مثل أسئلة الصغير الكثيرة في بداية حياته. ولا يعتقد الداعية أنه سيواجه فقط عامة الشعب، وإنما سيواجه أيضا دعاة مثله من الديانات الأخرى. لذلك يجب أن يكون ملما بمعلومات عن الأديان الأخرى ليرد على الأسئلة البريئة وبعض الأسئلة المغرضة في الوقت نفسه.
فلو سأل أحد الدعاة هل هناك نص في القرآن مثلا عن صناعة الصواريخ النووية فماذا سيكون الرد. بعض الدعاة سيقول لا أعرف وبعضهم سيقول لا يوجد، لكن الداعية الذكي المطلع يقدر أن يقول هناك نص في القرآن يقول: {وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} صدق الله العظيم. فالخلق ليس للأحياء وإنما للجماد أيضا.
مثال آخر، سيسأل الكثير لماذا يسمح الإسلام بأربع زوجات؟
بعضهم سيقول ذكر ذلك في القرآن وهو أمر الله. وبعضهم سيقول لزيادة نسل المسلمين. لكن الداعية الذكي سيقول لمنع الرذيلة سواء عند الرجل أو المرأة.
ويمكن أن يتحدث في ذلك بإسهاب، خاصة بعد الحروب وموت الكثير من الشباب، وبقاء الفتيات بدون زواج. والمرأة بدون زواج قد تنجذب للرذيلة لأنها بشر، والرجل أيضا يمكن أن ينجذب للرذيلة خاصة إذا رأى شيئا مثيرا يعجبه. ويعطي أمثلة على ذلك مثل ما حدث في ألمانيا وغيرها من الدول التي خاضت الحروب العالمية. وكيف أن الرذيلة تفشت في تلك الدول بعد تلك الحروب. كما يذكر مصير المرأة المريضة لو تركها زوجها. أو مصير الرجل المسافر دائماً للعمل في بلد آخر ولا يقدر على اصطحاب زوجته وأطفاله. أو....أو....الخ.
كما يمكن أن يسأل الداعية على الاستنساخ وهل ذكر عنه شيء في القرآن. ويمكن الإجابة على ذلك بكيفية خلق الله سبحانه وتعالى لأم البشر جميعا حواء. كما يمكن بيان أن الله سبحانه وتعالى خلق مخلوقات أخرى مثل بعض الحيوانات الأولية وجعل طريقة تكاثرها عن طريق الاستنساخ أو ما يسميه العلماء التكاثر اللا جنسي. كما أن بعض أنواع المرجان تتكاثر عن طريق التبرعم. كما أن هناك أنواعا من النباتات تتكاثر بطريقة العقل مثل أشجار الورد أو عن طريق الفسائل مثل أشجار النخيل والموز. وذلك فعملية الاستنساخ ليست جديدة وإنما هي إحدى الطرق التي استخدمها الخالق عز وجل لتكاثر بعض المخلوقات.
كما يجب أن يعرف الجميع أن كل ما نهى الله سبحانه وتعالى عنه إنما نهى عنه لسبب أو آخر، مثل النهي عن شرب الخمر وتعاطي المخدرات وغير ذلك.
وتذكروا أن الإسلام دين قام على الحق، وأنه دين الناس جميعاً وأنه الشريعة التي تصاحب الناس على مر الأزمنة. قال سبحانه وتعالى: {وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ} (105) سورة الإسراء.
وتذكروا قوله سبحانه وتعالى: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}.
كما تذكروا قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى يبلغ هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار).
وعلى كل داعية بل على كل مسلم أن يبذل وقته وماله في خدمة الإسلام والدعوة له. والعمل على نشر الإسلام وزيادة عدد المسلمين في العالم وخاصة في الدول الغربية هو عمل صالح حقيقي.
وإذا حاول كل مسلم أن يفعل شيئا لتحسين أحوال العالم الإسلامي وذلك بغزو العالم فكرياً وتصحيح أفكارهم عن الإسلام ونجعلهم في البداية يتعاطفون معنا ثم بعد ذلك سنجدهم يصبحون معنا فكرياً قلباً وقالباً ويصبحون مسلمين. فالمعروف أن الإسلام إذا أتى أي مكان بقى فيه ما بقى الدهر (إندونيسيا وجنوب الفلبين أمثلة على ذلك). والجميع يعرف أن الدعوة إلى دين الله بدأت بدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم، وعلى المسلمين عدم التوقف عن نشر الإسلام ولا نرضى بالواقع الذي نعيشه. لذلك كل مسلم مطالب أن يحمل إلى الناس الخير الذي وجده في دينه وأن نستمر جميعاً في حمل الرسالة، ونشر الدعوة.
وأخيراً أرجو من كل مسلم يقرأ هذا المقال إيصال مضمونه إلى من لم يقرأه، وما أحلى ذلك اليوم الذي نرى فيه العالم عالماً يتبع ديناً واحداً إن شاء الله.
عالماً تسوده المحبة والوئام والسلام. وبذلك نكون قد أكملنا رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والله الموفق لما فيه خير الإسلام والمسلمين، والله من وراء القصد.
للتواصل مع الكاتب: إما: ص.ب. 90199
الرمز البريدي 11613 الرياض، أو Abdulmalikalkhayal@hotmail.com