عاد السعوديون لقيادة سيارة الليموزين (التكسي) قديماً.. وهي إشارة لعودة الأمور لنصابها الصحيح كما آمل! ولدت في بدايات ما عرف بالطفرة النفطية.. ولم يغب عن مشاهد الطفولة.. مشهد سيارات (التكاسي) الصفراء يقودها سعوديون!
كان المجتمع وقتها لا يزال بسيطا.. السعودي يأكل بجهد يديه.. بسيط في كل شيء.. حتى في هندامه!
أكثر من ربع قرن من الزمان - هي عمر الطفرة - تغيرت الأمور تماما.. أصبح المجتمع يقيم الإنسان على حسب سيارته.. أو أين يسكن.. أو ما هي وظيفته؟.. وهذا معيار (تافه) عندما تصبح المظاهر الشكلية هي أساس الحياة.. وتلغي معها أشياء أساسية في حياة الإنسان من دين وعلم وأخلاق وعمل.. بغض النظر عن نوعية العمل طالما إنه عمل شريف ويحفظ كرامة الإنسان من السؤال!
ربع قرن من الزمان وأكثر.. لا يزال فيه السعودي يسافر بالدين (المستتر).. وأسميه مستترا.. لأن الشخص فيه يضحك على نفسه عندما يقولب الأشياء لتتناسب مع قناعاته.. فمثلا.. هو يلجأ إلى بطاقات الائتمان.. ويمني نفسه بأن هذا ليس دينا بل هو تقسيط مريح لأجل غير مسمى.. لكنه في النهاية دين!
السعودي لا يزال يعيش أوهام الطفرة.. يحلم بأن يمتلك نفس البيت الذي يمتلكه والده... وهو حلم لا يراعي تغير الظروف.. فقيمة الريال عام 1400 ليست هي قيمته الفعلية الآن... ولكن من الذي يستوعب هذه الحقيقة؟ الناس تريد أن تعيش أحلامها.. ولا تريد الاستيقاظ.. لذة الشعور بالأحلام.. لا تعني بالضرورة أن الواقع سيئ!
عودة السعودي لقيادة (التاكسي)... آمل أن تكون عودة تصحيحية لبساطة الإنسان.. وأن يعيش الفرد بحسب دخله واستطاعته.. حتى لا يكون أسيرا حتى الممات لشركات التقسيط والبنوك!
أخشى أن تكون عودة التاكسي السعودي... هي مجرد إشارة كبيرة لتعميق فجوة الطبقية.. وتحول المجتمع إلى طبقتين.. وهي إشارة قد تكون متشائمة... لكنها في الحقيقة غير ذلك.. إذا تأملنا جيدا ما يحدث في المجتمع.. وإذا استوعبنا حقيقة أن كثيرا من أفراد الطبقة المتوسطة غير راضين عن دخولهم المالية... وغير راضين لتصحيح أوضاعهم.. لكنهم يستمرون في الاستدانة.. والغرق في (وحل) الشكليات.. كأن الأمر لا يعنيهم..!
(كلن بعقله راضي.. إلا فلوسه لا!) مثل شعبي قديم يفسر حالة انقلاب المفاهيم المجتمعية.. وهو أيضا يندرج في باب الخصوصية السعودية!!
tmadi777@hotmail.com