أظهرت الحقبة الزمنية الماضية والحالية التي نعيشها عدداً من النزاعات العربية العربية حول عدد من القضايا التي يُفترض أن تمس ما يقابله العالم العربي بمجمله من ضغوطات سياسية عامة تستهدف وحدة الصف العربي علناً، لكن تلك النزاعات العربية العربية أخذت منحى آخر وهو ابتعاد العرب فيما بينهم واصطدامهم واقتتالهم ما زاد من تصدُّع الصف العربي، وفي الوقت الذي كنا نتأمل رتق ذلك الصدع ولمّ الشمل وتوحيد الصف وهو المأمول حقيقةً، بدأنا نلحظ تراجعاً مخيفاً وتردياً مرعباً للواقع العربي على مستوى الدول أو الأفراد.
هذا التراجع للواقع العربي أفقد العرب القدرة على التأثير في مجريات الأحداث سواء في منطقتنا العربية أو على مستوى العالم، الأمر الذي جعل العرب يعيشون ربما أسوأ أيامهم والشواهد الماضية خير برهان على ذلك، فقد فشل العرب كعادتهم في تجيير المواقف لصالحهم بل أمعنوا بالفشل في التعامل مع الانتصارات التي تحققت لهم، ما نكاد نسمع عن انفراج للأزمة في العراق حتى يأتي خبر عن قيام حرب عربية عربية إما مذهبية طائفية أو عرقية ويزيد الطين بلة في ذلك غض البصر العربي عن ما يجري واستمرار المطالبة المتكدسة بألوان المياه الآسنة بضرورة ضبط النفس.
العرب تحركهم عواطفهم الجياشة وتشحذ هممهم الأصوات الرنانة المنادية بمزيد من الفتق والشق العربي بحجج واهية بالية، ومن السهل جداً تحريكهم من خلال ذلك لمقاتلة إخوانهم العرب وهم بذلك لن يستطيعوا مجابهة الأطماع الغربية الخارجية، لن يستطيعوا تغيير الحال مع وجود تلك الصراعات والتناحرات الداخلية.. لن تستطيع أمة مهما بلغت قوتها مواجهة الأطماع والمخاطر المحدقة بها طالما تعيش في داخلها وطأة الصراعات والمعارك.
حتى اللغة العربية وهي الشيء الوحيد الذي يتفق عليه العرب من المحيط إلى الخليج بدأت تتلاشى بدخول اللغات الأجنبية الكثيرة ومنافستها للغة العربية ما دعا كثيراً منا كعرب الركض خلف المدارس التي تدرس مناهجها باللغة الإنجليزية.
أما الغرب فالعقل هو ما يحركهم دون النظر إلى العواطف الأمر الذي أدى إلى هيمنتهم على العالم من خلال التقدم العلمي الذي يرتكز على العقل دون العاطفة.
من المؤسف حقاً أننا كأمة عربية لم نستثمر طاقاتنا وإمكاناتنا وإمكانياتنا وتاريخنا وحاضرنا وما يملكه هذا الحاضر من موارد بشرية وطبيعية هائلة قادرين من خلالها على الهيمنة والسيطرة المطلقة على العالم، من المؤسف حقاً أننا لم نقم بتطوير علاقاتنا العربية العربية كي نحقق تكاملاً في القوه والموقف بل اعتمدنا على شعارات قومية وخطب رنانة تخاطب العواطف على حساب العقل والمنطق.
والأدهى من ذلك، أننا ذهبنا إلى تشجيع التفوق في مجالات الفشل وقمنا برصد الجوائز المالية لأفضل فشل يقدمه عربي، ولم نكتف بذلك بل ذهبنا إلى رصد تلك المنجزات الفاشلة في مراصد وموسوعات المنجزات ككتاب جينس، فنظمنا لذلك أفضل المهرجانات وأقمنا الأفراح والليالي الملاح لفوز أفضل فنان وأفضل راقصة وأجمل امرأة إلى آخره.
بينما الصهاينة انتهوا للتو من اختراع رشاش بأسطوانة 90 درجة بحيث يستطيع الفرد إطلاق النار على خصمه حتى لو كان بينهما جدار فاصل.
هم يتطورون باستخدامهم لعقولهم وأساليب المنطق والتحليل، ونحن نتطور للخلف باستخدامنا لعواطفنا.. أعلم يقيناً أنني لن أستطيع تغيير الحال ونزع تلك الأفكار الهدّامة من رؤوس أصحابها، أعلم أنني لا أستطيع إقناع القائمين على البرامج الهابطة التي تُحرِّك عواطف العرب تحت مستوى الحزام كمسابقة هزي يا نواعم وأفضل مصمم أزياء وغيرها مما أجهله ولله الحمد والمنة، لكنني أناشد بل أتوسل لهم بأن لا يتقدموا بتلك الأعمال لإضافتها في الكتب الراصدة لأكثر الإنجازات العالمية وأكثرها قياساً ككتاب جينس للأرقام القياسية، فالعالم يشهد وما زال على فشلنا، فما الحاجة لتوثيق تلك الإخفاقات؟.. أرجوكم.
dr.aobaid@gmail.com