أبو خالد نجم أفل، وضياء خبا، ونشاط متميز توقف. أجل نجم أفل من مجتمع الأهل والأقارب والمحبين، أناس كثر افتقدوا بفقده الخير والعطاء. لقد كان أبو خالد بيننا ملء السمع والبصر نعزه ونجله، ونقدر ما قدم من خير لكل الناس، ونقدر فيه تواضعه، وحبه لمن حوله. لقد افتقدنا أبا خالد الذي كان يحكمه الهدوء، وتحيط به الرزانة والسكينة، ويحرص على النفع لغيره مثلما يحب الشيء لنفسه. وافتقدنا رجلاً شهماً وجبلاً شامخاً ذو نشاط بارز في كل دروب الخير والبذل. نشاطاً أوصل صاحبه إلى بحر من التقدير المتناهي، والاعتراف الوافي بما يبذل في سبيل المجتمع. وما يؤدي من أعمال الخير يمنة ويسرة ابتغاء مرضاة الله ورضوانه.
إن الحديث عن شخص عزيز نفتقده يحتاج منا إلى صفحات وأيام لكي نتناول محاسنه وأخلاقه، ودليل ذلك الذكر الطيب عند البشر، فهم شهداؤه على الأرض. وهذا ما ينطبق فعلياً على والدنا وشيخنا حمود المعجل، رحمه الله رحمة واسعة وأدخله فسيح جناته وألهم أهله وأبناءه وبناته الصبر والسلوان.
يقول الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بإذن الله كِتَابًا مُّؤَجَّلاً}. جاء الأجل ويوم الحق واختاره الله إلى جواره، فودعناه بقلوب خاشعة، وعيون دامعة، وأنفس حزينة، مسترجعين ذكريات تجعله مقيماً في داخل النفوس التي تحمل له كل تقدير وإعزاز، وتذكره تلك النفوس، وتدعو له بالرحمة والغفران، وتدعو أن يجعله الله في جنته مع عباده الصالحين، وأن يعظم الأجر والعزاء لأهله وأصدقائه ومحبيه.
أرى المرء يبكي للذي مات قبله وموت الذي يبكي عليه قريبُ
وما الموت إلاّ في كتاب مؤجّلٍ إلى ساعة يُدْعَى لها فتُجِيبُ
وعزاؤنا أن الموت حق على كل حي ولكن الرجال تبقى ذكراهم على مدار التاريخ وإن كانوا قد رحلوا بأرواحهم لكن أعمالهم ستظل خالدة على مر السنين. ماذا عساي أن أتحدث، هل أذكر تبرعاته لأهل الحاجة والأيام والأرامل، أم أوقافه المنتشرة لجمعيات البر والخير، أم تبرعه للمراكز الصحية بالأجهزة الطبية، أم مشروعه المميز والفريد الذي وفقه الله إليه بسقيا القرى والهجر بالمياه وإيصالها إلى حيث يسكنون. لقد بذل الملايين ابتغاء مرضاة الله وفضله وابتغاء أن يستظل يوم القيامة بظل حسناته، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم وعمل صالح وصدقة مقدمة. لقد كان ينفق من ماله إنفاق من لا يخشى الفقر. قال صلى الله عليه وسلم: (لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالاً فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار).
حكم المنية في البرية جاري ما هذه الدنيا بدار قرار
بينا يُرى الإنسان فيها مخبراً حتى يرى خبراً من الأخبار
طُبعت على كدر وأنت تريدها صفواً من الأقذاء والأكدار!!
وعلى الرغم مما حصل له في مرضه من الشدة والتعب، ومع ذلك كله لم يعرف عنه تجزُّعٌ ولا هلعٌ رحمه الله، هكذا يا أبا خالد حتى وأنت على سرير المرض لم ترغب أن تشق على محبيك بزيارتك ورؤيتك وأنت مريض ومتعب. ما أنبلك إنك لم ترد أن تشق على مشاعرهم وأنت تعرف كم سيتألمون وهم الذين يحبونك مثل والديهم. ولقد زرتُه في المستشفى قبل وفاته بأيام فرأيتُ من بشاشته وعظيم صبره واحتسابه عجباً، ولقد كان يحاول جاهداً إظهار تحفيه ومحبته، غفر الله له ورحمه.
عاش -رحمه الله- يحمل بين جوانحه الحب الكبير لهذا الوطن ولقد كان لمدينته حائل محبة خاصة ووفاءً نادراً. ورغم لوعة الوداع وحقيقة الفراق فإن هذا الرجل سيبقى الغائب الحاضر في وجدان كل محبيه وعارفيه نستلهم من سيرته الوفاء والإيثار والشهامة وصدق المحبة، فهو قامة شامخة تقصر دونها القامات. مثلك يا أبا خالد -أيها النبيل الفاضل- يُغبط على رحيله، فقد عشت عمرا مديدا، وقدمت -بحول الله- عملا صالحا.
يقول الله تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ}.
كانت عظمته رحمه الله في بساطته، وكبرياؤه في تواضعه، وغناه في إيثاره وعزة نفسه. ليس القول فيه إطراء ومديح لكنه حقيقة يدركها ليس أصدقاؤه فحسب ولكن كل عارفيه يشهد على قولي ذلك الحشد من الخيرين الذين شيعوه في مثواه الأخير بدافع المحبة وصدق العاطفة.
الناس كلهم لفقدك وأجد في كل بيت رنة وزفير
عجبا لأربع أذرع في خمسة في جوفها جبل أشم كبير
رحمك الله يا أبا خالد رحمة واسعة، وجعل قبرك روضة من رياض الجنة وأدخلك فسيح جناته، وجمعنا بك ووالدينا في الفردوس الأعلى من الجنة.. وإن القلب ليحزن والعين لتدمع ولا نقول إلا ما يرضي ربنا سبحانه وتعالى {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إليه رَاجِعونَ} وعزائي الحار إلى أسرته خاصة وجميع محبيه كافة، وأسأل الله العظيم أن يلهم الجميع الصبر والسلوان ويعظم لهم أجراً، فلله ما أعطى ولله ما أخذ وكل شيء عنده بقدر.
- أستاذ علم الأجنة بجامعة الملك سعود
aldokhi@hotmail.com