Al Jazirah NewsPaper Saturday  15/11/2008 G Issue 13197
السبت 17 ذو القعدة 1429   العدد  13197
(شياطين الإنس وشياطين الجن)
صلاح سعيد الزهراني

قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ } (112)سورة الأنعام.

يحكى أن عجوزاً شمطاء كانت تمشي بين الناس بالغيبة والنميمة، وتفسد في الأرض، فالتقت يوماً إبليس في أحد الأسواق، فقال لها إبليس: كيف حال أم غربال، ردت المرأة في دهشة، من أنت وكيف تعرفنني، قال لها أنا إبليس فكيف لا أعرفك وأنت من جندي، قالت: وماذا تريد مني، قال لها: أريد أن أشكرك على خدماتك الجليلة لنا، فقد خدمتنا كثيراً في كذا وكذا، وفعلت كذا وكذا، فردت عليه في فخر وكبرياء: أنت أعجز من أن تكون كما توصف به.

قال لها: أنا الذي غار من آدم وحسده، وتكبر أن يسجد له عاصياً أمر ربه وما اهتدى، أضع القياد في عنق ابن آدم وأسوقه إلى المعصية كما تساق البهائم، إلا من اجتباه ربه فهدى، قالت وأنا من فاقت بقدراتها الإنسية كيد الشيطان وجنده، أنا أم غربال التي فاق كيدها كيدك وعنادك.

ودخلا في منافسة محمومة كل منهما يستعرض أعماله الخسيسة والدنيئة وقدراته على إيذاء البشر: أطرقت العجوز هنيهة ثم رفعت رأسها وقالت له: هل تستطيع يا أبا الشياطين أن تذهب إلى هذا التاجر وتوسوس له فتطلق منه زوجه.

قال إبليس: أنا لها، وسارع إلى التاجر وكان رجلاً متدينا صًالحاً، كلما حاول إبليس أن يوسوس إليه استعاذ بالله من الشيطان الرجيم وجند إبليس أجمعين، وبعد محاولات يائسة عاد إبليس بخفي حنين إلى العجوز يجر أذيال الخيبة والفشل، وهنا قفزت العجوز قفزة المنتصر وقالت له: أنا لها، أنا لها، ولكن هل تتنازل عن عرشك لي إذا فعلتها قال: أفكر.

وانطلقت العجوز إلى التاجر، وكان يبيع الألبسة النسائية، فقالت له: يا ولدي أنا عجوز فانية ولي ولد يريد أن يهدي بعض اللباس لحبيبة له تعشقه، وكل ما أريده هو أن تنتقي له بعض اللباس الجيد لحبيبته.

قال لها سمعاً وطاعة يا سيدتي، واختار لها من اللباس أفضله، وسلمه إليها ودفعت له ما استحق من النقود، وانطلقت صوب بيت التاجر، فدقت الباب، فرد أهل الدار من بالباب: قالت عجوز فانية تلوذ بكرمكم، لا أريد سوى شربة ماء، فتحت لها ربة الدار ورحبت بالعجوز في دارها، وأدخلتها وأكرمت وفادتها، وفي غفلة من أهل الدار دست اللباس الذي اشترته من التاجر في فراش ربة البيت ثم استأذنت وانصرفت.

وعاد التاجر إلى بيته، ينشد الراحة والإنس بأهله، وعندما حان وقت نومه التمس الفراش شعر بشيء ما أخفي تحت الفراش، فمد يده ليرى ما يمكن أن يكون، وكانت المفاجأة، إنها الثياب التي اشترتها العجوز لحبيبة ولدها، ولعبت به الظنون وضاقت الدنيا في وجهه إلا أنه آثر الصبر، فطلب من زوجه أن تتهيأ للذهاب إلى بيت والديها، استغربت الزوجة قائلة: أفي هذا الوقت، قال نعم إنه أمر ضروري، وغلي الدم في عروق التاجر المسكين، وكان حكيماً واستطاع أن يكظم غيظه إلى أن وصل وزوجته إلى بيت أهلها، وهناك تركها وطلقها.

وفي اليوم التالي: التقى إبليس الإنس بإبليس الجن، قالت العجوز لإبليس: من منا أقوى من الآخر، ألم أفز عليك البارحة، فمن يستحق إذا عرش الأبلسة والشيطنة، قال لها: لو أن ربي فتح لي باب الرحمة لعدت تائباً نادماً على ما فعلت فأنت أم الأبالسة، قالت: هل أزيدك من الشعر بيتاً، ما رأيك لو أنني أعدت للرجل زوجه ثانية، قال: وكيف ذلك، قالت إنه مكر ودهاء الإنس الذي لا تعرفه، وأعرف كيف أنفذ إلى وجهي ومقصدي، قال إن فعلتها تركت لك هذه البلدة ولن أدخلها ثانية ما دمت فيها، قالت: إذا انتظر وانظر، وذهبت العجوز الشمطاء إلى التاجر ثانية وهي تبكي بكاءً مراً، وقالت له: يا بني هل لك أن تساعدني، لقد اشتريت منك أمس ألبسة لحبيبة ابني ولكني في الطريق شعرت بإعياء فقصدت أهل بيت كرماء فأحسنوا استقبالي وأكرموا وفادتي، ولكني نسيت لديهم الألبسة التي اشتريتها وتعذر علي الهداية لأهل تلك الدار، فشعر التاجر بالظلم الذي أوقعه بامرأته، وأجلس المرأة على كرسي وهرول إلى بيت أهل زوجه، طالباً العفو والسماح وردها إلى عصمته، ثم عاد إلى المرأة يقبل يديها وكأنها صاحبة جميل في عنقه، وأعاد إليها الكساء والمال الذي دفعه في شرائه بالأمس، وعادت العجوز فرحة مستبشرة لإبليس وقد تفوقت عليه دهاء ومكراً، وطأطأ إبليس رأسه معترفاً بهزيمته أمام المرأة شيطانة وكم من رجل وامرأة من جند الشيطان يفعلون ما لا تستطيع الشياطين فعله بالبشر، نسأل الله لنا ولهم التوبة والهداية إنه نعم المولى ونعم المجيب.

هذه قصة سمعتها، وسواء كانت من نسج الخيال أو من الواقع، لكنني أسوقها للقراء الأعزاء، ليأخذوا حذرهم من مثل أم غربال أو أبو غربال، فالجني نستعيذ بالله منه يبتعد أما الإنسي فنسأل الله منه السلامة، قال تعالى: {نَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً} (17)سورة النساء.

- الرياض


alkatbz@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد