Al Jazirah NewsPaper Saturday  15/11/2008 G Issue 13197
السبت 17 ذو القعدة 1429   العدد  13197
معلمو اللغة العربية يشرحون دروسهم بالعامية
د. محمد بن شديد البشري

تعد اللغة من أهم الظواهر الاجتماعية التي يستخدمها البشر للتواصل مع غيرهم فهي أداة التفاهم بين الأفراد والجماعات، وهي وسيلة الفرد للتعبير عما يجيش في نفسه من أحاسيس وأفكار، وهي الأداة التي يدون بها تاريخ الأمة ويحفظ تراثها.

ونظراً لأهمية اللغة ودورها الفاعل في حياة الشعوب، نرى كثيراً من الأنظمة التربوية تحرص على الحفاظ على لغتها، وتؤكد الاعتزاز بها ونشرها من خلال المؤسسات التعليمية، ووسائل الإعلام المختلفة.

وللغة العربية مكانة خاصة عند أهلها، حيث هي لغة القرآن الكريم، ولغة الرسول الأمين - صلى الله عليه وسلم-، والحفاظ عليها يعني الارتباط بالتراث العربي والإسلامي، والمحافظة عليها يعني الارتباط بأهم مكون من مكونات عزة الأمة ونصرها، وتدريسها للأجيال في المؤسسات التعليمية يساعد في المحافظة عليها، ويؤدي إلى ارتباط هؤلاء الأجيال بتراثهم، وتاريخهم. ولهذا تعد اللغة العربية الفصحى إحدى الوسائل المهمة في تحقيق المدرسة لوظائفها المتعددة، لأنها من أهم وسائل التواصل والتفاهم بين الطالب وبيئته. ومن هنا فقد اهتمت سياسة التعليم بالمملكة العربية السعودية اهتماماً خاصاً بتعليم اللغة العربية الفصحى وأولتها عناية فائقة، وأكدت تدريسها في جميع المؤسسات التعليمية، وأوصت بتزويد الطلاب منذ المرحلة الابتدائية بالمهارات الأساسية في اللغة التي تمكنه من استخدامها تحدثاً وكتابة.

وتعليم اللغة العربية ينطلق من الوظيفة الأساسية للغة وهي الاتصال الذي يكون بين طرفين مرسل ومستقبل، وعملية الاتصال تستوجب إتقان مهارات الاستماع، والقراءة، والتحدث، والكتابة، مع مراعاة وجود عنصر مشترك بين الإرسال والاستقبال.

إن عملية تدريس اللغة إذن عملية تواصلية لغوية مقصودة يديرها المعلمون في حجرات الدراسة، ويوفرون لها الخبرات المباشرة، لكي يتفاعل معها الطلاب، وتتعدل سلوكياتهم، ويستقيم ما اعوج من ألسنتهم.

ولا يمكن لتعليم اللغة العربية وفق هذا المفهوم أن يثمر ما لم يقم بتدريس مواد اللغة العربية معلم متمكن من اللغة العربية الفصحى، قادر على توصيلها للطلاب بكل يسر وسهولة، وقادر على تقديم نماذج لغوية تساعد الطلاب على محاكاتها والتفاعل معها. وعلى ذلك يجب أن يكون معلم اللغة العربية حسن النطق وجيد الأداء؛ لأن النطق الجيد الفصيح هو الوسيلة الأولى لتعليم العربية، كما يجب عليه أن يلتزم باللغة الفصحى في جميع أقواله، وأن يشيع جواً عربياً فصيحاً في دروسه، حتى يكتسب الطلاب المهارة اللغوية، ويشعروا بجمال هذه اللغة وحلاوة جرسها وإيقاعها.أما إذا كان معلم اللغة ضعيفاً أو غير قادر على توفير الخبرات اللغوية المناسبة، فإن ذلك بلا ريب سيؤثر في سير العملية التعليمية وسيعيق تحقيق الأهداف المرجوة من تعليم اللغة العربية في المدارس.

ومن هنا فإن ضعف معلمي اللغة العربية وعدم إلمامهم باللغة الفصحى تحدثاً وكتابة أمر خطير ومؤثر؛ لأن الطلاب يعدون معلميهم مثالاً يقتدون بهم في سلوكهم اللغوي.

كما أن ضعف معلمي اللغة العربية قد يتسرب إلى طلابهم ويسبب لهم صعوبة في التحدث باللغة العربية الفصحى، إضافة إلى أن تحصيلهم اللغوي قد يضعف بسبب قلة الدخل اللغوي الفصيح الذي يقدمه المعلم والذي بدوره يساعد على تنمية مداركهم، ويجعلهم يتذوقون اللغة العربية الفصحى، ويحاكونها. إضافة إلى أن هذا الضعف قد يؤثر في تحصيلهم في المواد الأخرى. وقد توصلت بعض الدراسات إلى أن الطلاب الذين درسهم معلمون متمكنون لغوياً تفوقوا على زملائهم الذين درسهم معلمون ضعاف لغوياً؛ لأن المعلم الضعيف لغوياً لا يستطيع اكتشاف أخطاء الطلاب ولا يستطيع معالجتها كما ينبغي.

كما تؤكد الدراسات أن استخدام معلمي اللغة العربية للهجات العامية أثناء التدريس يساعد على تفشي العامية في المدارس، ويجعلها تزاحم الفصحى داخل الفصول الدراسية. وقد لوحظ في الآونة الأخيرة تساهل معلمي اللغة العربية في استخدام اللغة الفصحى في التدريس حتى وصل الأمر ببعضهم إلى تدريس القواعد النحوية باللهجة العامية.

وعلى هذا فقد يكون معلم اللغة معيقاً للتعلم إذا تحدث أمام طلابه بغير العربية الفصحى، وقد يؤدي إلى عدم تحقيق الأهداف المرجوة من تعليم اللغة العربية في مدارس التعليم والعام.

والمتأمل لبطاقة الأداء الوظيفي التي يقيم من خلالها جميع المعلمين بكافة تخصصاتهم يجد أن بنودها واحدة فهي قد خصصت لاستخدام اللغة العربية الفصحى في التدريس ست درجات من الدرجة الكلية للبطاقة وهي مائة درجة، والأمر الذي يدعو للدهشة ويقود إلى الحيرة أن الدرجة المخصصة لاستخدام اللغة الفصحى واحدة أو بمعنى آخر يتساوى معلم التربية الفنية ومعلم التربية الرياضية ومعلم الرياضيات ومعلم العلوم ومعلم المواد الشرعية مع معلم اللغة العربية في الدرجة المخصصة لاستخدام اللغة الفصحى فهل هذا أمر مقبول؟ وهل هذا منطق معقول؟!

أترك للقارئ الكريم بعدما ينتهي عجبه، وبعدما يتذكر معلمي اللغة العربية الذين سبق أن درسوه أن يقترح الدرجة المناسبة لاستخدام معلمي اللغة العربية للغة الفصحى أثناء التدريس والتي يمكن أن تكون في بطاقة تقويم الأداء الوظيفي المخصصة لمعلم اللغة الخالدة.

- عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود


albashri@yahoo.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد