في حين تصطف الجهود وتوظف الإمكانات لمعالجة البطالة نجد أن بعضهم استطاع الحد أو التقليص من نموها وبعضهم على العكس كلاً على حسب إمكاناته وانجازاته في كل بلد، ويتداعى إلى الذهن بأنه حتى الآن أكثر البلدان لم تتمكن من إصابة الهدف في القضاء عليها، ورغم الدراسات والإحصائيات التي بذلت ومازالت، فتقليص نسبة البطالة هو بمثابة الهدف الأولي للقضاء عليها.
ففي دولتنا- ولله الحمد- نسبة البطالة كما وضح في تصريح وزارة العمل بالمملكة بصحيفة الاقتصادية في العدد الصادر يوم الاثنين 15-9- 1429هـ، بأنه انخفضت معدلات البطالة في السعودية بنسبة 1.4 في المائة لتصل إلى 9.8 في المائة بعد أن كانت 11.2 في المائة العام الماضي، بإجمالي بلغ 400 ألف عاطل. حقيقةً جميع ما يبذل في سبيل القضاء عليها هو بمثابة الحلول التي حققت أعلى درجة في الدقة تمكنت من خلالها هذه الجهات في التقليص من حجم ونسبة هذه المشكلة، ومن وجهة نظري هناك عنصر غائب عن جميع ما يبذل في سبيل تحقيق الهدف النوعي في كل دولة، فبعضهم يسعى إلى التقليص وبعضهم يسعى إلى القضاء عليها مع عدم وجود هذا العنصر الهام.
هذا العنصر الغائب في كل حملة يزمع إقامتها للقضاء على مشكلة البطالة، هو كيفية التعامل العقلي الذهني مع المستفيدين، كحل مواز لأي جهد مبذول، فقبل البدء بتوظيف أي جهد لمواجهة البطالة لابد الأخذ في الاعتبار بأنه ليس من المنطق توجيه الخدمة لفئة معينة في المجتمع، فإيجاد أي حل يسهم في معالجتها هو بمثابة حل لا يخدم سوى شريحة الأشخاص ذوي السلوك السوي والوعي الثقافي المتقدم، فنجد أن الشخص الذي لا يعاني من مشاكل في السلوك ونقص في الوعي الثقافي، هو مستعد للاستفادة من أي جهود تبذلها الجهة المعنية في القضاء عليها، فلا بد من الأخذ بحلول أخرى للفئة الأخرى.
فئات المجتمع ليسوا جميعهم من هذه الفئة كفئة تلقت التعليم والتنشئة الصحيحة، فهناك فئات أخرى بالمجتمع تختلف بحسب ظروفها وبيئتها، لا يمكن لأكثرهم الاستفادة من هذه الحلول التي تبذل لنوعية الظروف التي مروا أو يمرون بها، بعضهم مزقته الظروف المادية وبعضهم مزقته ظروف الانحراف وصحبة رفقاء السوء وبعضهم مزقته ظروف الحرمان من فرصة التعليم وبعضهم مزقته ظروف المشاكل الأسرية وبعض الآخر مزقته ظروف التنشئة غير السليمة، فأصبح هؤلاء منخرطين في عالم الإحباط واليأس والتصور بأنه لابد من أي يقوم أي شخص بالأخذ بيدهم ومساعدتهم في الحصول على فرصة العمل، إذاً لا بد قبل توظيف أي حل للقضاء على البطالة، البدء بتأهيل هذه الفئات من المجتمع تأهيلا عقليا ذهنيا وتوعويا ثقافيا.
كيف يمكن لأي حل الاستفادة منه مادام، إن المستفيد لم يتم تأهيله تأهيلا يجعله يستفيد من الحلول التي تبذل في القضاء على البطالة، لا بد أن تقوم الجهة المعنية بالقضاء على البطالة بتقديم خدمات تأهيلية لهؤلاء الأشخاص وتطوير مهاراتهم الذاتية بدءًا بتنمية مهارات وبناء الذات وبناء الشخصية، تعلم الإصرار، كيفية صناعة الفرص والتسويق الذاتي، التعريف بمواقع فرص العمل المناسبة لمؤهل الشخص والمواقع الالكترونية كذلك، حجم فرص التدريب والعمل الموجودة حالياً وحجم الفرص الوظيفية في المدن الاقتصادية.
فحين يتم تأهيل هؤلاء الأشخاص بإمكان أي شخص أن يسلك طريقه بعد التوكل على الله ويقوم ببناء ذاته وصناعة فرصة العمل التي يتمناها بنفسه، بحيث يمكنه الحصول على فرصة العمل حتى بعد عشرات المحاولات، فمن وجهة نظري الشخصية سيتمكن الشخص بعد إلمامه بهذه المفاهيم بتعزيز الثقة بنفسه ذاتياً وأنه لن يكن بحاجة إلى أن يقوده أي شخص لطريق النجاح والعمل، وهذا حل مواز إضافة إلى ما تبذله الدولة من جهود في توفير فرص العمل وجهات التدريب المشترك بكل منطقة التابعة للمؤسسة العامة للتعليم الفني، ويوم المهنة الذي تقوم بعض الشركات بتسويق فرص العمل الموجودة بها من خلاله للشباب في الكليات التقنية، وبرامج توطين الوظائف في المناطق وبرامج التدريب في الشركات المقدمة بالمعاهد التابعة لها.
إذن فما هو الحال حينما يتم الارتقاء بوعي طالبي فرص العمل في مجال صناعة فرص العمل والتسويق الذاتي، وبقدر ما يبذل من الجهود في تأهيل هذه العقليات، بالتأكيد ستنخفض هذه النسبة إلى أقل من ذلك، لتفيد طالبي فرص العمل مع الجهود المبذولة المتمثلة في الفرص المتاحة والمقدمة لهم.
جامعة القصيم
nmotairy@hotmail.com