Al Jazirah NewsPaper Thursday  13/11/2008 G Issue 13195
الخميس 15 ذو القعدة 1429   العدد  13195
التوسط والاعتدال في الخطاب الدعوي وأسباب الغلو
د. إبراهيم بن ناصر الحمود

الخطاب الدعوي عامل مؤثر في نشر الدعوة إلى الله، لكنه يختلف باختلاف وقعه على السامعين بحسب قوته وضعفه، وهذا يرجع إلى الداعية نفسه، فمن الدعاة من يؤثر في سامعيه بسبب حماسه في خطابه وقوة إلقائه حتى أنه يشد كل من سمعه ويجذب انتباهه.

ولا شك أن قوة الأداء في الخطاب الدعوي مطلوبة، والحماس المعتدل مطلوب ليكون أبلغ في التأثير وأشد رغبة في الاستماع، وهذا الأمر ليس على إطلاقه فإن الحماس المرغب فيه له ضوابط حتى لا يكون سلبياً يفسد أكثر مما يصلح ومن تلك الضوابط:

1 - أن يكون الملقي معروفاً باعتدال منهجه حتى لا يكون سبباً في انحراف سامعيه، فإن الخطاب الدعوي له تاثير قوي سلباً أو إيجاباً، وينبئ عن منهج صاحبه، وبمعنى آخر ينبغي أن يكون الداعية قدوة صالحة لسامعيه فإن كلمته مسموعة وتحظى بالقبول.

2 - أن يكون الحماس في حدود المعقول حتى لا تمجه الأسماع فالشيء كلما زاد عن حده انقلب إلى ضده، والوسط مطلوب وهو خير الأمور.

3 - أن يراعي الملقي حال السامعين فلكل مقام مقال فالفئة المتعلمة التي على درجة كبيرة من الثقافة تختلف عن غيرها ممن هم أدنى من ذلك حتى لا يكون الخطاب عرضة للتأويل والتحريف بسبب سوء فهم سامعيه.

4 - ألا يقصد الملقي بالحماس إثارة الهمم وشحن العقول بما يوغر الصدور، فإن ذلك يورث الشحناء والعداوة وربما يؤدي إلى الخروج عن المألوف وشق عصا الطاعة وهذا من أعظم السلبيات التي يورثها الحماس في خطاب الداعية.

ومتى فقد الخطاب الدعوي هذه الضوابط فإنه سبب رئيس من أسباب الغلو والانحراف، وهذا ما تسمعه اليوم من تلك الفئة التي ضلت الطريق بسبب رؤساء جهال فقدوا الحكمة في الدعوة.

أما أسباب الغلو في الدين فهي كثيرة أهمها:

1 - الجهل بالحكم الشرعي القائم على الوسطية والاعتدال، فإن الجهل يجعل صاحبه بين نقيضين إما إفراط وإما تفريط تطرف أوغلو ظناً منه أن الزيادة عن المشروع تزيد في الأجر وأن التعبد بالمشروع تكليف بما لا يطاق وكلاهما ظن باطل فيفقد الوسطية لهذا السبب ويقع في وحل الغلو والتطرف.

2 - التقليد الأعمى والقدوة السيئة فإن كثيراً ممن ابتلوا بالغلو في الدين يكون نتيجة لهذا السبب حين يظنون أنهم على حق لاسيما إذا قوبل ذلك بأسلوب الإقناع من الطرف الآخر الذي يعمل على استحالة ضعاف العقول، وغالباً ما يحصل التقليد الأعمى ممن ينساقون خلف الماديات دون تفكير في النتائج إما لغرض الظهور والشهرة أو بزعم الإصلاح، وكل ذلك من الخيال والوهم الذي قادهم إلى الغلو والتطرف.

3 - تصارع الاتجاهات والأفكار، وذلك حين يحدث خلط في المعلومات التي يتلقاها الغلاة من بعض وسائل الإعلام وما يحدثه ذلك من سلوكيات منحرفة وهذا توجه خطير يؤدي إلى العزلة عن الناس ومن ثم تبدأ الانحرافات الفكرية دون ضابط يحكمها. وهذا السبب يحدث نوعاً من الغلو قد يصعب علاجه إذا أهمل في بداية أمره دون توجيه، بل ربما يقود هذا الغلو إلى الاعتداد بالنفس وعدم قبول النصيحة للقناعة التامة بصوابه نظراً لكثرة مصادر التلقي لديه والتي هي غثاء كغثاء السيل فإن العبرة بالكيف لا بالكم.

4 - طغيان المادة وهذا مستفاد من قول الله تعالى: {كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى} والطغيان هو مجاوزة الحد وهو معنى من معاني الغلو، فالمال قد يكون نقمة على صاحبة فمنه ما هو فتنة حيث يعتقد أنه أصبح بماله في غنى عن الناس فلا يسمع منهم ولا يستجيب لهم فأصبح هواه دليله وماله سلاحه فيصاب بداء الغلو الذي يكون منشؤه الإسراف في كل شيء فيفقد القناعة بالقليل التي هي علامة من علامات التقوى وكنز لا يفنى.

هذه بعض أسباب الغلو في الدين والتي يجمعها اتباع الهوى فمن كان هواه دليله فقد ضل سبيله.

المعهد العالي للقضاء



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد