استوقفني في الأيام الماضية القليلة منظر شاب مراهق ذي ملامح آسيوية يمسك بيديه كتاباً أشك بأنه قد انتقل إلى عالم محتواه وانفصل كلياً عن أرض الواقع...!، والعجيب في الأمر أن المكان الذي رأيته فيه كان مكاناً عاماً يقتضي الانتظار لدقائق قليلة لا لساعات طويلة...!، وتذكرت حينها الحكمة التي تقول: (الوقت معلم من لا معلم له)، ومازلت أغبط تلك العقلية التي يمتلكها أولئك الناس، فالدقائق عندهم تساوي مئات الكلمات من الصفحات، يتجرعون أوقاتهم ويستفيدون منها بشكل تعجز به - وللأسف - عقولنا العربية عن مجاراتها، وأنا لا أقصد بذلك التقليل من شأن أبناء عروبتي، بالعكس تماماً.. فالعرب أفطن الناس وأذكاهم ومنبع أغلب العلوم كما عرفنا من تاريخنا المجيد، لكن ما نراه الآن ونعاصره من تسرب لقيمة الوقت وحجم الاستفادة منه يعد بحد ذاته كارثة قد تضاهي تلك الكوارث التي نسمع عنها ونراها، فأوقاتنا نعمة سنحاسب عليها فيما قضيناها وكيف استبدلناها بالملل والكسل والفراغ...
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ)، فالفراغ رغم كونه نعمة.. إلا أنه قد يتحول إلى مفسدة لصاحبه ومن حوله، تتلاشى أيامه.. وتستنفد طاقاته.. وتضيع أفكاره.. وتخمل عزيمته في انجاز ما يمكن أن يعود عليه وعلى من حوله ومجتمعه ودينه بالنفع والفائدة، وللأسف أن كثيرا من الناس يعتقدون بأن إدارة الوقت وتنظيم برامج لساعات أيامهم يقتصر في تخطيط مربعات تنحصر بين ثنايا خطوط تشبه خطوط الطول والعرض المنسقة في جدول مثالي الشكل.. ولكن.. بفوضوية الفكرة والمضمون...!
إن استبدال الفراغ بالبدء في ترتيب الأولويات وإنجاز مجموعة من الأعمال على جميع الأصعدة يعد بحد ذاته اغتناماً وتوفيراً للوقت والجهد، واكتساباً للمعرفة.. وتحقيقاً للأهداف الممهدة للشعور بالرضا والراحة المخففة للضغوط.. والمبعدة للملل والخمول، ومن الجميل جداً أن يدرك الجميع بأن الوقت حقاً وصدقاً كالذهب، إن أضعت منه القليل.. أضعت من قيمة حياتك الكثير، إذ يقول الشاعر أحمد شوقي:
دقات قلب المرء قائلة... إن الحياة دقائق وثوان
فاستفد من يومك.. واغتنم وقتك.. وأسعد نفسك ومن حولك بكل مفيد، وابتكر وحقق ما يثبت لك ولمن حولك بأهمية وجودك وقيمتك.. وروعة اغتنامك لدقائق وقتك الثمين.