ما كل ما يعرف يقال، وكل ما يقال حقيقة يؤخذ بها على أنها حقيقة لا غبار عليها.. بينما لابد من التأكد والتروي فيما يراد الكتابة عنه، فإن من ضروريات الفهم قراءة الأبعاد (للمشكلة) واستبعاد الظنون والتكهنات التي لا تخدم في حل المشكلة، فربما تضفي عليها هالة من الغموض يصعب كشف أبعادها وتبقى الحالة أسيرة المراوحة.
لنأخذ مثال: مقالة صدرت في (صحيفة) رصينة فات على كاتبها تحري الدقة في (المعلومة) التي بنا عليها مقالته، غير الموثقة فهو اعتمد على (القول) الدارج فأراد أن يكتب لمجرد الكتابة ليس إلا فنشرت (الصحيفة) المقالة.. ومن ثم أتى التعقيب، وكثيراً ما حصل، من الجهة المعنية بالمقالة، لكي تكذب ما ذهب إليه الكاتب، بينما ما كتبه هو حقيقة ولكنها ضاعت في غياهب التكهنات والتخرصات، التي لم تفد تناوله لهذه (المشكلة) فما هو موقف الصحيفة يا ترى؟ وهو من الكتاب الذين ينتمون للصحيفة، وقد وضعها في مكانة لا تحسد عليها! فهل الصحيفة ستحاضر عليه وهو الكاتب الذي ينتمي إليها وتنبهه، فيما يصح ومالا يصح نشره، أم تجري حضرا على كتابته؟!
مثل هذه الأسئلة أعتقد أن الكاتب الواعي النبيه يتجنبها حتى لا يقع في المحظور، وهو الذي يعلم علم اليقين أن الحقيقة المصاحبة (للمعلومة الموثقة) لا لبس فيها، وهي الداحضة للردود المعقبة، التي تنتفي صفة المصداقية منها، ولكنها ما أريد منه هو (إسكات) الكاتب في تكذيبه لتناوله لهذه أو تلك المشكلة التي أريد التعتيم عليها، وهي الظاهرة للعيان والمتداولة بين الناس.
فالكل يعرف أنه حينما يحدث تقصير نجم عن مشكلة (صحية) أو (تربوية) أو (رقابة غذائية) لها مساس مهم في حياة المواطن، وتتهاون الجهة المسؤولة عن اتخاذ الإجراء الرادع في حق المتسبب إنصافاً للمتضرر، فإن هذا يعتبر يعتبر خطأ فادحا في حق الوطن والمواطن وبهذه الحالة فإن الواجب يقتضي بالدرجة الأولى محاسبة الجهة (المسؤولة) التي تراخت عن تأدية واجباتها الرقابية.
فالصحافة، حينما أوجدت كان الغرض من إيجادها هو نشر الثقافة عامة في كل ما يهم المجتمع، من استنارة وإرشاد وتلمس المشاكل والبحث عن الحلول لها عبر ما تتناوله، في طرح الرؤى والتصورات وتساهم مساهمة فعالة في خلق الروح التنموية الثقافية التي ترتقي بالمجتمع.. فهي حينما تكتب عن مشكلة اجتماعية وتحاول قدر الإمكان طرحها للرأي العام، هو ابتغى التنوير والمشاركة، فليس هناك موقف عدائي من الإثارة فيما كتب بقدر ما هو للاستنارة ما بين الصحيفة والجهة المسؤولة، إلا أن الأخيرة تعتبر أن ذلك تدخلا في خصوصياتها، وما هي بخصوصياتها بل خصوصيات المجتمع الذي يريد أن يعرف ويشارك بالرأي. تناقش، والأمسيات الخاصة تطرح الرؤى وفوق هذا وذاك الحوار الوطني أبوابه مشرعة للكل من أجل المشاركة!
فالعلاقة ما بين المؤسسات الحكومية والمواطن، علاقة يشوبها عدم الاهتمام بالمواطن، ما نتج عنه افتقاد ثقة المواطن بهذه المؤسسات الخدمية التي تقدم له خدماتها وكأنه هبة وصدقة جارية، فقد لمست ذلك بنفسي حينما قدم أحدهم، أوراقه داخل (الملف) لموظف في مؤسسة خدمية، وكأن المواطن في إلحاحه على مواطنه الآخر يتسوله في قضاء ما أتى من أجله، وقد أسمعه الأخير ما كان كافياً من الكلام الذي لا يسر صديق.. فمتى ننتهي من هذه (البيروقراطية) الناخرة في أروقة هذه المؤسسات الخدماتية.