نوارة .. قبل اللحظة بقليل كانت سيرتك محور اجتماعنا..
لله كيف تمديننا مداً ثرياً لا تجف روافده أبدا..؟ ستبقين بحكمتكِ. حيث ضلت الحكمة في زمن أشرع الإنسان لفكره كلَّ المنافذ.. بدعوات كثيرة فكما كنتِ تقولين: الإنسان عادة يهرب من أن يوسم بالعجز أو الجهل أو التخلف.. وكما عرفت فيما بعد بأن هناك خيطاً رهيفاً بينها وبين مفاهيم الناس كل الناس عن العجز والجهل والتخلف.. وأن بعض الأمور الجهل بها غنيمة.. والعجز عنها قوة والتخلف عنها نجاة.. تلك الحكمة التي كنتِ نوارة لا تتوانين عن زجها في مصاب الوعي ومنافذ الإدراك.. لله درك من امرأة بكل الفاهمين الواعين.. زادك الباقي حضورك في يقظتي ومنامي.. استلهمك ناقوساً في ظلمة الدرب أنيسة في مفارق الوحشة.. صوتاً يوجه البوصلة.. ومجدافاً يرتب الموجة.. تلك أيامكِ البيضاء التي ما كانت تنقش إلا بدقة مغزلكِ ولون رؤيتكِ.. .. وتماسك نسيجكِ..
البارحة تذكرتكِ وما كنت لأنساكِ ثانية من وقتي.. لكنكِ حضرت في عبارات كانت تعيد حكايتها لمسمعي نبضة القلب إباء حين تعلمَت منكِ كيف تقوى الجنان.. وكيف تمتلك ناصية العزة.. وكيف يشمخ في الإنسان مبدأ العطاء..
كانت دروسكِ منبثقة من أن المحضن هو الأول الذي تنبت فيه بذور القوة فلا تكن القوة عن جهل ولا تكن عن غبن ولا تكن عن ضعف.. فقوة الجهل تدمير.. وقوة الغبن ظلم.. وقوة الضعف ضياع.. .. والناجون بحكمتكِ
من لا يدمرون ولا يظلمون فلا يضيعون.. إذ يوم يفسح للجنان أن تفتح على مصراعيها فالوالجون مدنها وحدهم من سيرون نباتها وشجرها زهرها ونارها جنتها ومكمنها.. فما الذي سيعودون به من رحلة المدن المنتشرة في مناحيها...؟.. دخيلة الإنسان عالم من يبنيه ومن يهدمه..؟ كيف يبنيه ومتى يهدمه..؟ تلك المحكات التي تتنافس فيها الجنان.. مليئة بالحكمة أو مفرغة منها...
كنتِ جنات من المدن.. ولكِ أبواب مشرعة للبناء.. من يلج داخلكِ مولود في عين تتدفق لا تنقطع عنها منابعها.. ومن وقف عند بواباتها ناله من نداها رواء.. لا تزالين نوارة تمدين من نبعكِ.. لا زلت تتدفقين في نسيج العروق.. وتأتين في باخضرار الرواء في قوتكِ.. هل تعلمين الحقيقة؟.. ليت مثلكِ في هذا الزمن الذي يتيه فيه الأقوياء بضعفهم وجهلهم وغبنهم.