قال الشاعر بدر شاكر السياب في قصيدة له يتغنى فيها بالعيون: |
أحورية النهر غضي العيون |
وكوني بملاحة راحمة |
تسيرين في زورق من ظلال |
فتدفعه النسمة الناعمة |
ومجدافك اخترته من ضياء |
النجوم على اللجة القاتمة |
|
وإذا العيون لمحنا فارع قده |
ورشفن حمره ثغره المتضرم |
أوحين للقلب الجليد بحبه |
فأطاعهن أطاعه المتسلم |
وقال الشاعر نزار قباني في ذات السياق عن العيون: |
وكان في بغداد ياحبيبتي، في سالف الزمان |
|
|
|
|
|
إن العيون التي في طرفها حور |
قتلننا ثم لم يحيين قتلانا |
يصرعن ذا اللب حتى لاحراك به |
وهن أضعف خلق الله إنسانا |
وقال الشاعر العباسي علي بن الجهم: |
عيون المها بين الرصافة والجسر |
جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري |
وقال الشاعر الأمير عبدالله الفيصل: |
من أجل عينيك عشقت الهوى |
بعد زمان كنت فيه الخلي |
وأصبحت عيني بعد الكرى |
تقول للتسهيد لا تجزعي |
وقال الشاعر النبطي خلف بن هذال: |
أموت بين الخد وعيونه السود |
وحواجبن ربي بملحه قرنها |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
والشعراء تفننوا في وصف العيون وإعلاء مكانتها خاصة إذا كانت سوداء ومكحولة وواسعة كسعة الفضاء وصافية كصفاء الغسق، والعيون (الحور) لها جمالها المتفرد والعين الحوراء هي التي لها بياض ناصع وسواد غامق في المقلة كعيون الغزلان، والتغني بالعيون جاء منذ القدم عندما كانت النساء يرتدين الخمار ولا تظهر من مفاتنهن سوى عيونهن، لكن بقيه أنواع العيون العسلية والزرقاء فقد نبذها بعض الشعراء واعتبروها دخيلة على المجتمع العربي، غير أن اختلاط العرب بالأتراك والإنجليز والأوروبيين والأمريكان جعل من بعض الشعراء الآخرين أن يحبوها ويقولوا فيها القصيد لأنها ترمز إلى لون السماء وزرقة البحر ولون الشهد، إن التاريخ الشعري العربي أثبت أكثر من مليون مرة تميز عيون المرأة وسيطرتها على كل مقومات الشعر الأخرى واهتدوا إلى أن العيون لها قراءة وطبائع سلوكية مشبعة بالفن والإبداع ولها حكايات وقصص وأساطير تشير إلى أنها استنفذت خواص الشعر كاملة حيث إن كل قصائد العيون التي قيلت امتزجت فيها العذوبة وتركيبة اللحن وجرس القافية وسمفونية الأداء ووترية العود، إن العلاقة بين الشاعر والعيون أزلية تجسدت فيها العلاقة الوثيقة بين الاثنين المعني وصاحب المعاناة بصور دافئة وحميمية والعيون عند الشعراء تجمع بين البراءة واللذة الجامحة وأحيانا إلى الحزن والانكسار والعيون فيها الكثير من الرقة والجاذبية والألفة والشفافية والشاعر على وجه العموم تفيض قريحته لهذه الأشياء ويبدع ليصنع لنا حدسا جماليا شكليا يمتد وفق إطارات فنية وهاجة تسير على حركة الإدراك السيكولوجي لنا كمتلقين بخطوط قياسية متوازنة ترفع عاليا من درجة أحاسيسنا وتخيلاتنا لتنعكس لدينا جمالية تراكيب المفردات بشكل يتجلى فيها القبول والرضا وتكشف لنا توجساتنا الروحية وفق أحاسيس عاطفية مؤثرة تولد فينا قناعة قبول القصيدة أو رفضها، وأخير إن العيون بكافة أنواعها وألوانها وأحجامها تنطوي على دلالات إيقاعية مقنعة لدى الشاعر ولها توصيلات بصرية ثاقبة تكون نسق موسيقي متصل بذهنية الشاعر وفق معايير خاصة يراها ويعيها الشاعر نفسه ويرسمها لنا كمتلقين صوره ومعنى. |
|