يعرّف المختصون الاستثمارات الأجنبية المباشرة بأنها نوع خاص من الاستثمارات تتملك من خلالها جهة أجنبية أصولاً مالية وإنتاجية ملموسة وغير ملموسة ويكون القرار النهائي في إدارة تلك الممتلكات للطرف الأجنبي دون تدخل أية أطراف محلية في تلك القرارات.
برزت تلك الظاهرة مع وجود الشركات العالمية العابرة للقارات التي تمتلك فروعاً ونشاطات إنتاجية في العديد من الدول تقوم بإدارتها من المركز الرئيسي للشركة الأم، وتأتي في رأس قائمة أولويات تلك الشركات الضخمة البحث عن المواد الخام في الدول النامية وإحضار السلع نصف المصنعة من الدول النامية حديثة التصنيع ومن ثم شحن تلك السلع إلى خطوط التجميع الموجودة غالباً في الدول الصناعية بغرض إنتاج السلع بشكلها النهائي وبيعها في الأسواق العالمية بأسعار مرتفعة وبالتالي تحقيق هوامش ربحية هائلة.
لعل المثال الناصع لتلك العملية هو صناعة النفط التي كانت تسيطر عليها مجموعة قليلة من الشركات العالمية (الشقيقات السبع) التي تكبدت المخاطر للاستثمار في دول نامية لم يكتمل تشكيل أنظمتها السياسية وتعاني من انعدام الأمن والاستقرار والتخلف العلمي والتقني لكن الهامش الربحي لبيع المشتقات النفطية يستحق بالفعل المغامرة.
اكتسبت الاستثمارات الأجنبية المباشرة مرة أخرى زخماً وأهمية مع تأسيس منظمة التجارة العالمية التي تهدف إلى فتح الأسواق ليس فقط للسلع والخدمات، بل للاستثمارات الأجنبية من خلال اتفاقية تريمز TRIMs التي تعطي تسهيلات للمنتجين إذا اقتضى الأمر القيام باستثمارات في البلدان الأجنبية لأجل تعزيز التبادل التجاري خصوصاً في قطاع خدمات ما بعد البيع والصيانة.
احتدمت المنافسة بين العديد من الدول النامية في جذب الاستثمارات الأجنبية من خلال تأسيس أجهزة مستقلة عن البيروقراطية الحكومية تهدف إلى تذليل العقبات التي قد تواجه المستثمر الأجنبي وتقوم بتسويق الفرص الاستثمارية المتاحة محلياً وكان ذلك كله مدفوعاً بالمكاسب المتوقعة, من الناحية النظرية على الأقل, لفتح الأسواق للمستثمرين الأجانب.
إن أهم المكاسب التي من الممكن أن يحققها بلد معين من تدفقات الاستثمارات الأجنبية تتمثل في زيادة كمية رأس المال العامل داخل الاقتصاد المحلي ومن ثم المقدرة على الاضطلاع باستثمارات كبيرة خصوصاً تلك الدول التي تعاني من نقص حاد في تكوينات رأس المال.
المكسب الآخر هو نقل تقنية الإنتاج من المصانع المملوكة لأطراف أجنبية ذات التقنية العالية إلى المصانع الوطنية وذلك من خلال انتقال العمالة الوطنية التي تم تدريبها على أحدث التقنيات المتوافرة في خطوط الإنتاج العالمية، وتعول العديد من الدول النامية على ذلك في تحديث تقنيات الإنتاج لأجل تحقيق الاستغلال الأمثل للموارد المحلية ورفع المقدرة التنافسية لأجل اقتحام الأسواق العالمية ذات القدرة الشرائية العالية.
الفائدة الثالثة هي أن المستثمرين الأجانب يقومون باستحداث فرص وظيفية للقوى العاملة الوطنية التي تعاني من البطالة مما يخلق دخولا للطبقات الفقيرة والمهمشة التي تعاني من تدني فرصها في الحياة الكريمة, كما أن ذلك يساعد في حل مشكلة الفقر ويخلق طلبا فعّالا على السلع والخدمات المنتجة محلياً مما يدفع بعجلة النمو في الاقتصاد المضيف للاستثمار الأجنبي.
تأتي الفائدة الرابعة في شكل تدفقات مالية لحكومة البلد المضيف وذلك لأن المستثمر الأجنبي يقوم بدفع ضرائب على الأرباح في نهاية العام المالي بعد انتهاء فترة الإجازة الضريبية التي قد تمتد في بعض البلدان النامية إلى عشرة أعوام وفقاً لبعض الشروط التي من أبرزها طبيعة النشاط والانعكاس المتوقع على الاقتصاد الوطني.
إذا كان الأمر كذلك من الناحية النظرية، فإنه يحق لنا أن نتساءل عن واقع هذه المكاسب بعد فتح السوق المحلي للمستثمرين الأجانب، وهل تحققت تلك الفوائد على أرض الواقع أم أن هناك تكاليف واستنزافا للاقتصاد الوطني من وجود المستثمرين الأجانب؟ تنشر عادة الهيئة العامة للاستثمار SAGIA إحصاءات مبهرة حول حجم الاستثمارات الأجنبية في السوق المحلية وتدفقاتها السنوية وما ترتب على ذلك من تقدم ترتيب الاقتصاد السعودي في جذب الاستثمارات الأجنبية، لكن الهيئة في نفس الوقت لا تنشر كمية التأشيرات التي تم إصدارها متزامنة مع تلك الاستثمارات التي تقدر بمئات الآلاف من تصاريح العمل والإقامة الدائمة مما يثير التساؤل عن جدوى الاقتصاد الوطني من وجود تلك الاستثمارات أصلاً خصوصاً أن المستثمرين الأجانب يجلبون عمالتهم من بلدانهم الأصلية مما كرس معاناة وتهميش وبطالة القوى العاملة المحلية.
حتى تتضح لنا الصورة بشكل جلي، علينا كذلك أن نتصور حجم الحوالات المالية لتلك النشاطات التي يمتلك الأجانب تحت مظلة نظام الاستثمارات الأجنبية التي تمثل تسرباً ونزيفاً ضخماً من الاقتصاد المحلي للبلدان الأجنبية، فإذا كان الحال كذلك فينبغي على الهيئة العامة للاستثمار نشر تلك الإحصاءات جنباً إلى جنب مع حجم تدفقات رؤوس الأموال الأجنبية.
أما فيما يتعلق بمداخيل الدولة من الضرائب المفروضة على المستثمرين الأجانب فهذه أحد الأسرار الأخرى حتى نعلم حجم الفائدة، لكنني أتوقع وأكاد أجزم بأن حجم تلك المدفوعات ضئيل جداً وذلك بسبب قصور الأنظمة الضريبية وضعف الرقابة والمتابعة لنشاطات المستثمرين الأجانب وتطور أساليب الشركات العالمية في التهرب الضريبي الذي يستعصي كشفه من قبل الأجهزة البيروقراطية وموظفيها ذوي التأهيل المتواضع وغياب نظام الحوافز الذي قد يؤدي إلى ملاحقة المخالفين للأنظمة الضريبية.
* أستاذ الاقتصاد المساعد، معهد الدراسات الدبلوماسية
mqahtani@ids.gov.sa