الرياض - نواف الفقير
خلصت دراسة أعدتها غرفة الرياض إلى ضرورة دخول مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما) كمشترٍ في سوق الأوراق المالية، لضخ أكبر قدر ممكن من السيولة في السوق المحلية، مشيرة إلى ضرورة تعزيز جانب الطلب في سوق الأسهم المحلي، ودعت الدراسة في سبيل تحقيق هذا الهدف إلى تخفيض نسبة الاحتياطي النظامي بالبنوك لأدنى مستوى ممكن، مؤكدة على أهمية رصد ومتابعة كافة الاستثمارات الأجنبية للبنوك السعودية في الخارج، للوقوف على تقدير حقيقي لتأثيرات الأزمة الحالية سواء كان في الوقت الحالي أو في المستقبل.
وطالبت الدراسة التي صدرت عن مركز البحوث والدراسات بالغرفة التجارية الصناعية بالرياض (ساما) بالسعي لوضع سياسة متزنة للموازنة بين تشديد الرقابة على الائتمان المصرفي للأفراد ذوي الملاءات الضعيفة، وتسهيله للمستثمرين الجادين أصحاب الاستثمارات الحقيقية، وتعزيز الضمانات الحكومية لشركات التأمين الجادة في السوق المحلية، ومساعدتها على تجاوز الأزمة الحالية حتى وإن تعرض بعضها لخسائر في السوق العالمية -وهو المتوقع حسب الدراسة- لضمان عدم توقف شريان الكفالة الاقتصادية في السوق المحلية.
وترى الدراسة أن التشديد في سياسة الإقراض ليس في صالح الاقتصاد الوطني وخاصة خلال الفترة الحالية، لذلك، فهناك حاجة ماسة لتدخل مؤسسة النقد بتخفيف إجراءات الاقتراض في المصارف المحلية، كما ينبغي عليها الآن التغاضي مؤقتا عن سياسة الحد من السيولة المحلية لعلاج التضخم، لأن الأزمة المالية ستقود ذاتها إلى الحد من هذا التضخم.
وتوقعت الدراسة أن تلحق بالبنوك المحلية بعض الخسائر جراء استثماراتها في الأسواق الأجنبية، رغم أن التصريحات الصادرة عن هذه البنوك نفت حدوث هذه الخسائر خلال الفترة الحالية، إلا أنه على المدى البعيد من المحتمل أن يلحق بهذه البنوك قدر من الخسائر.
وتخلص الدراسة إلى احتمال وجود تأثيرات سلبية على قطاع المصارف المحلية، لأن الأزمة أساسها مالي وانعكاسها سيكون ماليا أيضا، إلا إن المصارف السعودية يتوقع أن تمتلك المقدرة على تجاوز هذه الانعكاسات السلبية بسرعة.
وحول قطاع التأمين أشارت الدراسة إلى أن الاستثمار في الخارج من أبرز السياسات التي تتبناها شركات التأمين في كافة دول العالم، وشركات التأمين السعودية ليست بمعزل عن ذلك، ومن ثم فإنها عرضة لخسائر ربما تكون كبيرة، إلا أن غالبية الشركات العاملة في السوق المحلي لا تزال حديثة العهد بالسوق، ومن ثم فإنها قد لا تمتلك استثمارات كبيرة في الخارج.
إلا أنه بصفة عامة فإن حداثة قطاع التأمين المحلي ربما يكون مدعاة لخسائر أقل في الاقتصاد الوطني، ولعل صيانة وحماية قطاع التأمين المحلي تتطلب في الوقت الحالي تقديم مؤسسة النقد العربي السعودي ضمانات صريحة بأنها تضمن شركات التأمين المحلية حال تعرضها لخسائر شديدة في استثماراتها الخارجية، وذلك تحسباً لتعرض هذه الشركات لأي صدمات جراء توقف المؤمن لصالحهم من التأمين لديها.
ولم تتجاوز الدراسة آثار الأزمة المالية على سوق الأسهم المحلي الذي اعتبرته رافداً رئيسياً في تمويل عمليات التنمية بالاقتصاد الوطني، منوهة أن هذا الرافد بدأ يستحوذ على اهتمام الجهات الرسمية خلال العامين الأخيرين، إلا أنه يعمل بحساسية مفرطة لأي مستجدات بالسوق العالمي، ولهذا تأثر سوق الأسهم المحلي تأثراً شديداً عند بداية ظهور تأثيرات الأزمة المالية على البورصات العالمية، حيث خسر السوق نحو 18% أو ما يعادل 240 مليار ريال تقريبا خلال ثلاثة أيام فقط بعد تداوله بعد عيد الفطر المبارك، إلا أن جهودا رسمية حثيثة بذلت للحفاظ على هدوء واستقرار السوق، وبالفعل نجحت هذه الجهود إلى حد ما في إيقاف تراجع مؤشر السوق.
وجاء في الدراسة في معرض تحليل آثار الأزمة المالية على سوق الأسهم المحلي: رغم القرارات المؤثرة التي أصدرها المجلس الاقتصادي الأعلى لحماية الاقتصاد الوطني من أي تأثيرات سلبية للأزمة العالمية، فيعد سوق الأسهم من أكثر الأسواق عرضة للتراجع جراء أي اضطرابات جديدة في البورصات العالمية، ولعل السوق بالتحديد يتطلب بعض الإجراءات الخاصة التي تحصنه ضد التراجع القوي مستقبلا، ومن أبرزها ضرورة تبني هيئة السوق المالية فلسفة إيقاف التداول عند بلوغ خسائر السوق مدى معينا، وخاصة عندما تكون هذه الخسائر غير مرتبطة بأي عامل داخلي. فضلا عن ضرورة التفكير جديا في بناء صندوق للتوازن في مثل فترات الأزمات.
ولم تخف الدراسة قلقها على الاقتصاد العالمي فقد توقعت ألا تنجو دولة أو مجموعة من الدول من تداعيات تلك الأزمة ولكن مع تفاوت في درجة التأثر، وتوقعت الدراسة في هذا الخصوص أن الاقتصاد السعودي كأحد اقتصادات العالم سيتأثر بالأزمة المالية العالمية، لارتباطه المتعدد بالعالم اقتصادياً وتجارياً، وخاصة في ظل ريادة المملكة كأحد أكبر مصدري النفط للعالم، بل وبارتباط الريال السعودي بالدولار الأمريكي. لكن الدراسة أكدت على توفر عوامل أخرى لدى الاقتصاد السعودي تناقض هذه الفرضية، من أهمها قوة وتماسك النظام المالي السعودي، وضخامة الفوائض المالية المتاحة، والتي تتيح القدر المطلوب من السيولة لتعويض أي نقص ربما يخشى أن يتسبب في ركود أو انكماش، وتساءلت الدراسة إذا ما كان من المعلوم أن للأزمة المالية تأثيرين أحدهما إيجابي والآخر سلبي، فأي منهما سيتغلب على الآخر؟
وتجيب الدراسة على هذا التساؤل من خلال رصد التأثيرات المحتملة الإيجابية والسلبية على عدد من القطاعات الاقتصادية الحيوية في الاقتصاد الوطني.
واقترحت الدراسة في سياق التدابير التي يمكن أن تقي الاقتصاد تأثيرات الأزمة السلبية العمل على السعي لاستخدام أكبر قدر ممكن من الفوائض المالية المتاحة بميزانية العام الجديد المقبل في تعزيز أوجه الإنفاق الحكومي لإعطاء دفعة للأنشطة الاقتصادية المتوقع ركودها وخاصة أنشطة المقاولات والبناء والتشييد وغيرها.
وحول التداعيات السلبية على الاقتصاد السعودي جراء الأزمة المالية التي من أبرزها تراجع الإيرادات النفطية ومن ثم تراجع معدلات الإنفاق الحكومي، مما ينجم عنه انخفاض معدلات النمو في العديد من الأنشطة الاقتصادية ترى الدراسة انه وعلى الرغم من هذه التداعيات إلا أن الاقتصاد الوطني يمتلك العديد من العوامل الملطفة ذاتياً، والتي يمكن أن تحدث تأثيراً معادلاً يضعف أو يعادل الآثار السلبية، وربما يحقق بعض الانعكاسات الإيجابيات، والتي من أبرزها ما يلي:
* تراكم العديد من الفوائض المالية نتيجة ارتفاع أسعار النفط خلال العامين الأخيرين.
* أن العجز الحكومي أصبح عند مستويات متدنية عنه في الخمس سنوات الماضية (28% من إجمالي الناتج المحلي بنهاية عام 2007م).
* أن السوق المحلية تعاني حالياً من تضخم أكثر مما تعاني من ركود، وبالتالي فإن تأثير الأزمة قد ينسجم مع الأهداف الحكومية الرامية لكبح جماح التضخم المتزايد.
* أن الاقتصاد الوطني لا يعاني مثل غيره من الاقتصاديات من نسب بطالة مرتفعة، وبالتالي فإن حدوث نسبة معينة من الركود قد لا تكون مدعاة للخوف.
* أن خطة التنمية الثامنة تكاد تكون أوشكت على الانتهاء بنجاح كبير في التنفيذ، وبالتالي فلن يكون هناك عبء كبير على الاقتصاد الوطني لتنفيذ مشاريع مؤجلة.