المشهد السياسي الاقتصادي بات مختلفا عما كان عليه قبل الأزمة المالية العالمية. يبدو أن أدوات اللعبة تغيرت، والرابح فيها من يستطيع النأي بنفسه عن التزاماتها، أو على الأقل توجيه الأمور لمصلحته الخاصة، وفرض شروطه المنطقية مقابل كل دولار أميركي يدفعه للمشاركة المحسوبة في معالجة الأزمة. الدول الغربية أصبحت تتحرك وفق مصالحها الخاصة، من أجل تأمين أموال الدعم اللازمة لتعويم مصارفها وشركاتها المفلسة، والمحافظة على قواعدها الاقتصادية، وتأمين وظائف مواطنيها. لذا فهي لا تجد غضاضة من الترحيب باستثمارات الصناديق السيادية التي رفضتها إلى ما قبل الأزمة. التغير الكبير الذي طرأ على مواقف الدول الغربية تجاه الاستثمارات السيادية يستدعي التعامل معه بحذر، فاقتصاداتنا المحلية في حاجة للسيولة والدعم، والاستثمار الآمن الذي يكفل سلامة مدخرات الأجيال القادمة وتنميتها.
الاقتصادات الغربية تحتاج إلى سيولة وقتية لقطاعاتها الإنتاجية القائمة، أما نحن فنحتاج إلى تنمية مستدامة، وإكمال البنية التحتية، وتوفير الوظائف والمساكن لملايين المواطنين، وإصلاح سوق الأسهم التي تسببت في تلاشي الطبقة الوسطى، وسحق الطبقة الفقيرة. دعوات الساسة الغربيين المفتوحة للاستثمارات السيادية لم تعد تقنع الكثير من المراقبين، فالأصوات المرحبة قد تنقلب إلى أصوات منددة وناكرة للجميل بمجرد زوال الخطر، وأعظم من ذلك أن تكون أصواتاً مضللة يهدف من خلالها القضاء على ما تبقى للأجيال القادمة من ثروات مالية. الأزمة العالمية أثرت سلباً في أسعار النفط وأدت إلى تناقص إيرادات الدول الخليجية، ما جعلها أكثر حاجة لمدخراتها في مواجهة المتغيرات الاقتصادية الحادة، ولإتمام خطط الاستثمار الداخلي، وبناء قاعدة تنموية إنتاجية، ومعالجة أزمة الإسكان وسوق الأسهم. عامل المصلحة هو ما يحرك العلاقات الدولية، ويبدل القناعات الثابتة.
حرب الخليج الأولى والثانية كانتا السبب (المصطنع) لاستهلاك احتياطات الدول الخليجية وإضعاف قوتها الاقتصادية، ولولا توفيق الله وبركته، ثم حكمة القيادة السعودية لما وجدنا من يمد لنا يد العون والمساندة.
زيادة الاستثمارات في القطاعات الاقتصادية الداخلية، وتوجيه فوائض النفط لسداد الدين العام، وبناء الاحتياطيات، وزيادة مشروعات التنمية، وإنشاء المدن المتخصصة ربما تسبب في إثارة حفيظة دول الغرب لفقدها فرصة استعادة أموال النفط من خلال عقود الشراء والاستثمار.
المساهمة في معالجة الأزمة العالمية تعني المحافظة على النظام المالي العالمي، وهي مساهمة نعتقد بأنها ستكون محسوبة، ووفق الشروط الضامنة للمصالح الوطنية التي نجزم بأنها من أولويات خادم الحرمين الشريفين.
شفافية الملك عبدالله، وحرصه، حفظه الله، على المصالح الوطنية، وحقوق الدول الخليجية، وما سيطرحه من آراء، ومقترحات، وإسهامات للخروج من الأزمة العالمية، ستحفظ الحقوق وتحقق التوازن المطلوب، بين دول غربية تعتقد بأفضليتها وأحقيتها بثروات الآخرين، ودول خليجية فاعلة تؤمن بالتزاماتها تجاه المجتمع الدولي، وتسعى في الوقت نفسه إلى حفظ حقوقها المشروعة، وتقديمها على مصالح الآخرين.
f.albuainain@hotmail.com