كانت مياه الخليج العربي هادئة؛ فهذا المنفذ البحري الذي تطل على مياهه سبع دول عربية والثامنة إيران، ثمان دول كانت ولا تزال تستفيد من هذا الممر الحيوي الذي تمر من خلاله أكثر من ثلث واردات البترول المتجهة إلى أوروبا واليابان والصين والهند وأمريكا. ولهذا كان الخليج يعمر بحركة ناقلات النفط بالاضافة إلى السفن التجارية، واستمر الحال على هذا المنوال حتى اندلعت الحرب العراقية الإيرانية التي كانت بداية توريط المنطقة وإنهاكها في سلسلة من الحروب والمشاكل التي لا تزال تعاني منها، وبخاصة ازدحام مياه الخليج بالبوارج الحربية وحاملات الطائرات والغواصات وغيرها من الأسلحة البحرية التي عكَّرت مياه الخليج الهادئة، وجعلته أشبه ببرميل البارود الذي لا يحتاج إلا إلى شرارة لينفجر.. وفعلاً كاد أن ينفجر هذا البرميل بعد حدوث (احتكاكات) بين هذه البوارج والأساطيل الأجنبية والبحرية الإيرانية.. وجميعنا نعرف قصة تدفق هذه البوارج والأساطيل الأجنبية إلى مياه الخليج العربي؛ فأثناء الحرب العراقية الإيرانية اعترضت السفن البحرية الحربية الإيرانية حاملات النفط التي تنقل النفط العراقي كجزء من المواجهة الحربية بين البلدين، وتحرشت ببعض ناقلات النفط الكويتية؛ مما جعل المتضررين سواء الدول المصدرة للبترول أوالدول المستوردة إلى إيجاد وسيلة لضمان استمرار تدفق النفط، واتفق على تنظيم حراسات دولية لتأمين ناقلات النفط، وكان من بين الترتيبات أن ترفع ناقلات النفط أعلام الدول الكبرى، كأعلام أمريكا وروسيا وفرنسا وبريطانيا، ولكي تحقق الأمان والحراسة استغلت الدول الكبرى ذلك، وأرسلت بوارجها وأساطيلها للخليج العربي حيث تحول الخليج إلى (مستوطنة للأساطيل والبوارج الأجنبية) بحجة حماية تدفق النفط..!!
الآن تتكرر القصة، ولكن بإخراج وسيناريو آخر، فبعد تنامي عمليات قرصنة السفن أمام السواحل الصومالية وتزايدها بصورة أصبحت تهدد أمن البحر الأحمر، إذ تفكر الدول الكبرى وخاصة ذات التواجد العسكري في شرق افريقيا والتي تتنافس فيما بينها لتثبيت نفوذها السياسي والعسكري في إرسال أساطيل وسفن حربية وبوارج بحجة حماية أمن البحر الأحمر، والقضاء على القراصنة لضمان تدفق التجارة الدولية..!!
والبحر الأحمر يكاد يكون بحيرة عربية؛ فالدول العربية(المملكة العربية السعودية ومصر والسودان والصومال وجيبوتي واليمن والأردن) هي وحدها التي لها إطلالة على البحر الأحمر مع وجود دولة هي جارة وشقيقة للعرب وأهلها أغلبهم من العرب، ومصالح هذه الدولة ممتزجة بالمصالح العربية، إذ تعد دولة ارتيريا الدولة الثامنة التي لها سواحل على البحر الأحمر، وهكذا فإن المصالح العربية الاستراتيجية والأمن القومي العربي، مهددة سواء بالقرصنة أو ملء البحر بوجود أجنبي ليس بالضرورة يخدم الأمن القومي العربي، وحتى لا يتحول البحر الأحمر إلى مستوطنة أخرى للأساطيل والبوارج الأجنبية وللحفاظ على أهم ممرين دوليين يديرهما العرب بكفاءة واقتدار، وهما: ممر قناة السويس المصري، وباب المندب اليمني؛ فإنه من الواجب والضروري أن تتشاور الدول العربية المطلة على البحر الأحمر لتنسيق جهودها ووضع آليات لتتعاون فيما بينها أولاً من أجل مكافحة ظاهرة القرصنة، وثانياً الحفاظ على أمن البحر الأحمر وجعل مسؤولية ذلك على عاتق الدول التي لها سواحل على البحر.
ولهذا، جاءت الدعوة المصرية للدول العربية المطلة على البحر الأحمر، والهادفة إلى عقد اجتماع في هذا الشهر لهذا الغرض والتي نأمل أن تحظى بالتأييد والمساندة، خاصة وأنها تترافق مع دعوات أخرى صدرت من اليمن ومطالبة مستمرة من الصومال.
jaser@al-jazirah.com.sa