(بسم الله الرحمن الرحيم.. أشكر الأخ خالد والأخت الجوهرة على هذه التسمية.. ولكن بعد استخارتي للرب عز وجل تسمى هذه الجامعة باسم نورة بنت عبدالرحمن) هذا - في المصطلح العلمي - خطاب تاريخي فالقائل هو خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز ملك بلاد الحرمين الشريفين المملكة العربية السعودية والمناسبة إعلان البدء بانطلاق الأعمال الإنشائية لبناء أكبر مدينة جامعية للبنات في العالم، والقراءة التحليلية للنص توجب الوقوف عند عدد من المعطيات المهمة والتي هي:

* البدء ب(بسم الله الرحمن الرحيم) وهذا يعطي الخطاب خصوصيته ويدلل على هويته منذ البداية فهو ذو صبغة إسلامية لحاكم إسلامي وفي بلد إسلامي.

* الشكر لمن أسدى معروفاً ذكراً كان أو أنثى لا فرق (أشكر الأخ خالد.. والأخت الجوهرة) والشكر باختصار (اعتراف بالفضل لأهل الفضل بالقول والفعل المرتكزين على ما في القلب من حب وصدق) وهذا يعني أن له أركاناً ثلاثة:

1- الاعتقاد القلبي الصادق أن هذا الرجل أو تلك المرأة يستحق أو تستحق الشكر.

2- القول باللسان عمّا يكنه القلب اتجاههما.

3- الفعل الذي يظهر ما في القلب ويقوي ما قاله اللسان في حق هذا الرجل أو تلك المرأة.

والأساس الشرعي للشكر الموجه لبني الإنسان الذين يستحقون هذا الفعل أو القول المتكئ على شعور قلبي صادق هي أقوال وأفعال الرسول - صلى الله عليه وسلم - الكثيرة والمعروفة والتي منها على سبيل المثال قوله عليه الصلاة والسلام: (من لا يشكر الناس لا يشكر الله) وقوله: (من أسدى إليكم معروفاً فكافئوه فإن لم تجدوا فكلمة طيبة) ومن الوقائع التاريخية لفعله بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام (من يشتري بئر رومة وله الجنة) وفي غزوة تبوك حين جهز عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه جيش العسرة قال عليه الصلاة والسلام: (ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم)، وكلنا يعرف ما قاله الرسول - صلى الله عليه وسلم - للأنصار بعد أن وجدّوا عليه - صلى الله عليه وسلم - إذ لم يعطهم عليه الصلاة والسلام من الغنائم حين قسمها بعد انتهاء المعركة وتحقق النصر، في المقابل أفاض على المؤلفة قلوبهم وهم ينظرون (.. ألا ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير وتذهبون برسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى رحالكم..) ومن القصص التي قرأتها في هذا (أنه في ليلة عاصفة من ليالي عام 1860 م اصطدمت السفينة المسماة (بليدي إنجن) بمركب لنقل الأخشاب وغرقت السفينة وترك 393 شخصاً متناثرين في مياه بحيرة تسمى ميشيغان.. إدوارد سبنسر الذي كان وقتها طالباً جامعياً غاص في المياه الباردة مرة بعد الأخرى لإنقاذ الغرقى ما استطاع إلى ذلك سبيلا وبعد أن سحب 17 شخصاً من المياه تغلب عليه الجهد فانهار ولم يقف بعدها أبداً إذ أصبح مقعداً على كرسي يدفع بقية عمره، بعد سنوات من هذا الحادث سأله أحد الصحفيين عن الموقف الذي لم ينسه طوال حياته ولا يزال عالقاً في ذهنه، وكان الجواب منه سريعاً: (إنني قمت بإنقاذ سبعة عشر شخصاً من الموت المحقق ولا أحد من هؤلاء ولا من أهلهم وذويهم عاد كي يشكرني) لم يعلق في ذهن سبنسر الألم ولا الجهد الذي بذل ولا الحوادث والمآسي التي مرت به في حياته وإنما ما زال تجاهله وعدم شكره من قبل من أنقذهم من الموت المحقق هو العالق في الذهن وبكل أسى وأسف..)

* نعت العاملين معك بما يشعر بالقرب (الأخ.. الأخت..) وفي هذا إشعار بالمودة الخاصة وتأسيس للعمل الجماعي المؤسس.

* الاستخارة حين الإقدام على اتخاذ القرار خاصة حين يكون قراراً مثل هذا (إطلاق أول جامعة سعودية باسم امرأة (وهذا سلوك إسلامي معروف، فعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُعَلِّمُنَا الاسْتِخَارَةَ فِي الأُمُورِ كُلِّهَا كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ يَقُولُ: إذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ لِيَقُلْ: (اللَّهُمَّ إنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ، وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلا أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلا أَعْلَمُ، وَأَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ، اللَّهُمَّ إنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ (هنا تسمي حاجتك) خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي أَوْ قَالَ: عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ، فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ، اللَّهُمَّ وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ (هنا تسمي حاجتك) شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي أَوْ قَالَ: عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ، فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ وَاقْدُرْ لِي الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ ارْضِنِي بِهِ. وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ) وَفِي رواية (ثُمَّ رَضِّنِي بِهِ (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) وأختلف العلماء هل المقدم المشورة أو الاستخارة؟ والصحيح ما رجحه الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله - شرح رياض الصالحين - أن الاستخارة تقدم أولاً، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالأمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ... إلى آخره) ثم إذا كررتها ثلاث مرات ولم يتبين لك الأمر، فاستشر، ثم ما أشير عليك به فخذ به وإنما قلنا: إنه يستخير ثلاث مرات، لأنه من عادة النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه إذا دعا دعا ثلاثاً، وقال بعض أهل العلم أنه يكرر الصلاة حتى يتبين له خير الأمرين.

* تسمية المرأة (نورة) وفي هذا كسر لطوق العادات والتقاليد البالية التي ما أنزل الله بها من سلطان، كما أن في ذلك رسالة واضحة للمجتمع خاصة الذي ما زال يرى العيب الاجتماعي في ذكر اسم الأنثى، وهي كذلك رسالة للتربية والتعليم في إمكانية دراسة تسمية بعض المدارس بأسماء نسائية مع العلم أنه سبق وأن درست الفكرة منذ أربع سنوات تقريباً وصرف النظر عنها أو على الأقل أجل البت فيها،، رحم الله سمو الأميرة نوره بنت عبدالرحمن آل سعود وجزى الله خادم الحرمين الشريفين خير الجزاء وجعل هذا الصرح العلمي المميز شاهد خير وبرهان عطاء لواقع المرأة السعودية ومنزلتها في حسنا نحن السعوديين الصحراويين العرب المسلمين.