تلوت عليكم يوم أمس الأول حكاية بلغتني عن طريق البريد الإلكتروني. موضوعها امرأة مصابة بسرطان الدم استقدمت خادمة إندونيسية. لاحظت المرأة على الخادمة أنها تزور الحمام بكثرة وتبين لها أن الخادمة تفرغ حليب صدرها، فعرفت منها أنها تركت مولودها الذي لم يتجاوز العشرين يوماً من أجل الفرصة الوظيفية، فقامت المرأة بإعطائها تذكرة ورواتب سنتين مقدماً وسمحت لها بالسفر إلى بلدها لرضاعة ابنها مع حق العودة مرة أخرى متى شاءت. بعد أن سافرت الخادمة قامت المرأة بالفحص الروتيني فاكتشفت أن السرطان اختفى تماماً من جسدها. كما لا يخفى هناك ربط بين ما قامت به المرأة من فعل خير وبين شفائها من السرطان.
طبعا كل شيء بأمر الله لكن من الواضح أن القصة مفبركة. هذه ليست القصة الأولى التي أقرأها من هذا النوع. دارت في أوساط الناس قصص كثيرة مشابهة لهذه القصة موجهة للأطفال والبسطاء من الناسِ. قصص يتداخل فيها الديني مع الدنيوي مع مصادرة كاملة للعقل.
حكايات يؤلفها الدعاة تنمحي فيها شروط المنطق وابسط مناهج التفكير.
عاهرة تتحول فجأة إلى داعية تستشهد بالآيات والأحاديث، وإسرائيلي ينصح بالصلاة في أوقاتها، ورجل تسقط مفاتيحه في القبر وعندما يحفر مجدداً يشاهد ثعباناً ضخماً يلتف على جسد ميتتهم، التعيسة كانت تلبس عباءة مزخرفة.
بعض هذه القصص يدعو للخير والفضيلة لكن العنصر الأساسي الذي ينتظم هذه القصص هو تسفيه العقل. يستخدم مؤلفو هذه القصص البعد الديني لتأصيل السذاجة.
الذي يتذكر القصة كما نقلتها لكم يوم أمس الأول سيلاحظ أن المؤلف بدأ سرده بالضرب على وتر العقيدة: (هذه قصة عجيبة لا يصدقها إلا مؤمن بما جاء به الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -)، بهذه العبارة الحاسمة يكون الداعية قد وظف الدين لخدمة قصته، لأنه مقتنع أنها عجيبة وسوف تثير تساؤلات القراء المنطقية فعمد إلى إطفاء العقل وإزاحته عن الطريق.
الذي لا يصدق قصتي هذه لا يؤمن بما جاء به الرسول عليه الصلاة و السلام.
هذا المنهج الذي سار عليه آلاف الدعاة في المملكة وفي العالم الإسلامي لإخراج صغار السن من الواقع والزج بهم في عالم متخيل قائم على المعجزات.
أقعدوهم عن البحث والتحرك على الأراضي الصلبة, عبثوا حتى بوقائع التاريخ.
يقرؤون لهم التاريخ بهذه الطريقة الإعجازية حتى جعلوا الشاب يراوح بين الأوهام والماضي المضخم بإنجازات لم يشهدها التاريخ أبدا. يكاد يكون هذا المنهج هو المنهج الموازي في المدارس وهو الطاغي في المساجد ومدارس التحفيظ والمعسكرات الشبابية بأشكالها.
لا يأتي الأطفال من المدرسة بأسئلة حول سفن الفضاء أو صناعة الأدوية أو حقوق الإنسان.
يعودون من المدرسة مثقلون بالجن والموت والمعجزات.
شكلت هذه القصص البنية الفكرية والمنهجية عند جيل كامل.
كأنما صاحب هذه القصة يدعو للخير إلا أنه في حقيقة الأمر يوقع أكبر الضرر بالأمة.