قد لا يعي الكثيرون بأن السياسي والاقتصادي هما توأمان لا يختلفان فنجاح أحدهما هو نجاح للآخر، والعكس صحيح، ولاشك بأن التطورات الجيوسياسية وظهور منظمة التجارة العالمية إلى حيز الوجود في السنوات العشرين الأخيرة قد ساهمت في نشوء ما أسميه ب(التوأمة الحتمية) ما بين القيادات السياسية والقيادات الاقتصادية، لذا نلاحظ في السنوات الأخيرة تراجع الخيار العسكري كوسيلة للتهديد والضغط وحل بديلا عنه ما اصطلح على تسميته ب(الحرب الاقتصادية الخفية) بين الأطراف المتناحرة في الساحة الدولية.
ولا شك أن السياسي هو من يملك القدرة على اتخاذ القرار (صائبا كان أم خاطئا) باعتبار أنه هو من يقف على قمة الهرم، ولكن القدرة على (صناعة) القرارات في العصر الحديث، والذي أصبح أكثر تطورا وتعقيدا، تتطلب وجود القائد الشامل، فأصبح الكثير من القادة السياسيين يستقطبون العديد من المستشارين وعلى رأسهم بالطبع الاقتصاديون. لذا حينما يقوم السياسي بزيارة دولة صديقة فإن الملف الاقتصادي حتما سيكون على رأس أجندة الحوار، وتعزيز الشراكة الاقتصادية بين الدولتين (والتي يضع بنودها وأهدافها خبراء اقتصاديون) هي الهدف الأول من الزيارة إلى حد كبير. إذن أصبح الاقتصاد هو من يشكل العلاقات الدولية الحديثة، وأصبح الاقتصاد في عقل (وقلب) كل سياسي باعتباره الحلقة الأصعب في دائرة الانتخابات الرئاسية الموصلة لقمة الهرم. لاشك أن اختلال العلاقة بين التوأمين له عواقب وخيمة، ليس فقط على الاقتصاد المحلي بل أنها تتعداه إلى الاقتصادات العالمية الأخرى، وهذا تماما ما حدث في أكبر اقتصاد عالمي، وهو الاقتصاد الأمريكي، حينما تجرد السياسي من عباءة الاقتصاد واتخذ القرارات (غير الرشيدة) في العرف الاقتصادي لتحقيق أهداف غير اقتصادية، فانقطعت (الشعرة) بين الطرفين.
وقد واجهت تلك القرارات الخاطئة منذ بداياتها في التسعينات انتقادات كبار الاقتصاديين الأمريكيين وحذروا من عواقب تلك القرارات، ولكن ما يجري في دهاليز الأروقة السياسية كان أقوى صوتا من صوت (العقل الاقتصادي) فحلت الكارثة ولايزال العالم اليوم يكتوي بنار الإعصار المالي أو ما وصفه الرئيس السابق للاحتياطي الفيدرالي الأمريكي آلان جرينسبان ب(تسونامي) العصر والذي لا يحدث إلا مرة واحدة كل مائة عام بحسب قوله.
بالتأكيد ليس هدف المقالة هو التحدث عن الأزمة المالية العالمية فالجميع كتابا ومواطنين قد أصبحوا على علم تام بخفايا ومسببات هذه الكارثة، ولكن ما أردت التركيز عليه هنا هو البحث عن تلك (الشعرة) الوثيقة الصلة بين السياسي والاقتصادي في دهاليز صناعة القرار في خليجنا العامر، وهل هناك (توأمة فعلية) بين الطرفين على مستوى القيادات التي تتربع على قمة هرم السلطة في بلدانها؟ وبصفتي من رجال المرحلة التي يتربع فيها خادم الحرمين الشريفين -أيده الله- على قمة صنع القرار في وطني فإنني أشعر بوجود هذه العلاقة التي تبدو واضحة وضوح الشمس، حيث اعتاد حفظه الله على عقد اللقاءات مع كبار اقتصاديي البلد من رسميين وغيرهم، ليس فقط للاستئناس بآرائهم، بل والأخذ بها وتبنيها وتوفير الدعم المالي اللازم لتطبيقها بعد أن يقوم حفظه الله بتحويلها إلى خطة عمل قابلة للتنفيذ خلال مراحل زمنية معينة، وما اجتماعه -حفظه الله- باقتصاديي البلد خلال فترة وجيزة من انهيار السوق المالية خلال العام 2006م طالبا منهم وضع أية مقترحات أو تحديد آلية معينة تمهيدا لتدخل الدولة لإنقاذ السوق وتوفير مدخرات المواطنين، إلى تدخله -حفظه الله- مؤخرا في لجم الارتفاعات الكبيرة في معدلات التضخم وتبنيه - أيده الله - للقرارات السبعة عشر والتي أدت بتوفيق من الله إلى تهدئة ومن ثم وقف الارتفاعات في معدلات التضخم وتخفيف الآثار السلبية على المواطنين وعلى الاقتصاد ككل، ولن أنسى بالتأكيد دعمه المادي الكبير والمتواصل لصناديق الإقراض الحكومية، والتي حظيت بدعم مادي هو الأكبر منذ انشائها وحتى اليوم.
ولعلني أختم مقالتي تلك بالإشارة إلى أنه هو حفظه الله من أعطى هيئة السوق المالية حق الاستعانة بالخبراء الأجانب والمحليين لمساعدتها في إدارة السوق إيمانا منه -حفظه الله- بأهمية تعزيز مستوى الخبرة لدى الخبراء المحليين.
استاذ العلوم الاقتصادية والمالية المشارك بجامعة الملك سعود
zalhosan@ksu.edu.sa