Al Jazirah NewsPaper Friday  31/10/2008 G Issue 13182
الجمعة 03 ذو القعدة 1429   العدد  13182
لما هو آت
(فن إدارة) الاكتئاب..!!
د. خيرية إبراهيم السقاف

لأنه عصر الإدارة.. وكأن الإنسان لم يعلمه الأنبياء والرسل وكتب السماء كيف يدير نفسه وعقله فحياته من ثم من خلال سلوكهما.. يأتي مَن يقول: إن كل علم وكل جديد وأي تنظير وأي فكرة.. وربما فيما بعد أي ساكن أو متحرك في الإنسان والحياة مآل اكتشافه وابتداعه وابتكاره وفتوحه هم سادة الدنيا من الغربيين والأمريكيين، هؤلاء الذين بقدر ما قادوا المنجز العلمي لخدمة البشرية فإنهم أخذوا به ليفتك بهذه البشرية.. وآخر نتائج فتكهم أن طوحوا بأحلام الثراء وإمبراطوريات المال وبيوت الاقتصاد ليكون مآلها الدرك الأدنى من الهزيمة، وهاهو العالم يتوخى ريحاً تأخذه لسراديب الفقر والخسائر والتردي لنحو من نقاط سحيقة في البُعد كانت منطلقات أولى لأجنحة أحلامه.. وسيأتي اليوم الذي تشح فيه جميع موارده حتى أنني أتوقع أن تنفد المياه وتشح الأرغفة وتظلم الليالي ويعود الإنسان إلى ضوء القمر وفتيل الفانوس، وإلى حفر البئر وشد الدلاء، وإلى خبز العجين واصطلاء الحطب.. وستنهزم كل فنون إدارة الإنسان؛ لأن الإنسان بلغ به عتوه أن أسند منجزاته لنفسه ونسي أن ذلك لم يكن ليتم أو حتى يتحقق دون أن تسنده تلك القوة والقدرة الكامنة فيه من الله وقسمته فيه.. من أجل ذلك بات يردد أهل الحضارات الأول نشيد التفاخر بما حقق أجدادهم ثم ناموا على التراتيل.. وكأن حكايا الأجداد ستعيد لهم منجزاتهم أو تطور لهم آلياتهم أو تمسكهم أزمة التقدم أو تحقق لهم أسبقية الريادة.. فالعالم تخطى البوصلة والاصطرلاب.. ووصل لتخوم النجوم ومكامن الخامات، واستخرج المكنون في الأرض، وعمّر السطح في الفضاء الترابي، وغاص في آماد الفضاء الأزرق الممتد، لكن فن إدارته لكل ذلك لا محالة آيل للنهاية لبلوغه العمى في الثقة بنفسه.. أما أولئك فببلوغ العمى فيهم هو بلوغهم ذروة التوهم.. فهؤلاء يتقدمونهم وأولئك يلهثون من ورائهم.. وكل العيون المغمضة في الجانبين قد تلتقي على نعي..

والحاجة الآن ليست للتنظير ولا للترديد الأبله، بل لمن يعالج ما ستؤول إليه النفوس من قهر الإحباط وهزيمة الهزيمة في هزائم الأحلام.. ثمة من سينعى معي وَهْم الطموح في الوثبات الأخيرة في المجتمعات المتردية ثقافياً ومعرفياً وعلمياً واقتصادياً وعسكرياً ما لم تكن هذه الوثبات خالصة من التبعية.. لكن هناك مَن سيرى فيما أقول مبالغة.. لكن ثمة من سينفذ بكل وعي من ثقب ضيق جداً في جدار العقل فيرى ما لا يراه الراكضون؛ ليؤكد أن ما سيأتي لن يكون إبصاراً، بل سيتفشى العمى.. وستهبط سحابات مظلمة على الإنسان إن لم يكن هناك من ينهض لإدارة النفوس دون السقوط الكلي في بؤر الاكتئاب.. حين يكون الاكتئاب النهاية الحتمية للهاث العجلات في الثغرات المبهمة في متغيرات الحياة.



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5852 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد