Al Jazirah NewsPaper Friday  31/10/2008 G Issue 13182
الجمعة 03 ذو القعدة 1429   العدد  13182

بين ضعف الإمكانات والخلافات القومية والمذهبية والحرب الإعلامية الضروس
المراكز الإسلامية في الغرب.. و(الدور الغائب) في تصحيح صورة الإسلام!

 

(الجزيرة)- خاص

تؤكد الدراسات العلمية، والاستطلاعات الميدانية، ومواقع الإنترنت على الشبكة العالمية، وتواصل المسلمين في بلدان الأقليات مع مواطني الدول التي يعيشون فيها.. ان هناك جهلاً كبيراً لدى الغرب والشرق بالإسلام، وتعاليمه السمحة، وأخلاقياته، وأن الصورة الذهنية الراسخة المشوهة عن الإسلام مازالت هي المسيطرة على عقول وأفكار المجتمعات غير الإسلامية هناك؛ الأمر الذي يحتم على المسلمين الاهتمام بذلك، والعمل على تعريف غير المسلمين بالإسلام، ويتجلى في هذا الصدد دور المؤسسات، والمراكز الإسلامية في بلدان الأقليات الذي لحظ أن هناك تقصيراً منها في أداء هذه الرسالة.. (الجزيرة) طرحت على عدد من العاملين في المراكز والمؤسسات الإسلامية عن الآلية في كيفية تنشيط دورها، بل وتفعيل عمل المؤسسات الإسلامية في الخارج لتصحيح هذه الصورة المشوهة والراسخة في أذهانهم عن الإسلام.. ليصبحوا أكثر معرفة بالإسلام وتعاليمه، وآدابه وأحكامه التي جاءت لإسعاد الإنسان في جميع أحواله وشؤونه، وخدمة البشرية جمعاء.. وفيما يلي نص الرؤى في هذا الجانب.

العقل الغربي.. والفهم الخاطئ

بداية يقول د. أحمد الدبيان - مدير المركز الثقافي الإسلامي في لندن: إن المراقب لكيفية تعامل الغرب مع الظاهرة الإسلامية فيه يدرك في كثير من الجزئيات والمسائل ان هناك فهماً خاطئاً وغير صحيح عن الإسلام. وهذا الفهم غير الصحيح ظل جاثماً ومسيطراً في العقل الغربي مدة طويلة جداً، ولا يزال كذلك، وهناك أسباب عديدة لتفسير هذه الظاهرة، ومنها: أنه جرى بين أوروبا والعالم الإسلامي احتكاك عسكري لمدد طويلة وقرون عديدة، وظلت آثار هذا راسخة في العقل الغربي وأدبياته ونتاجه الفكري حتى اليوم، ومنها أن المواطن الغربي يتأثر كثيراً بما يقدمه له الإعلام على اختلاف وسائله. خاصة وأن الإعلام يعد مصدراً لتكوين الثقافة والحقيقة. وهذا الإعلام الغربي يقع تحت تأثير نخب سياسية ودوائر ذات أهداف عالمية واستراتيجية، ترى أحياناً أن مصلحتها تقديم الإسلام ومن يدينون به بصورة الخطر وغير المرغوب فيه. وقد كان من تأثير الأحداث الإرهابية الأخيرة في الغرب ان زاد الخوف من الإسلام لدى الناس العاديين، ومن ليس له تعامل كثير مع الظواهر الثقافية والفكرية في المجتمع، وهذا عامل ثالث أضيف إلى ما سبق.

وفي تصوري أن هذا الخوف سيزداد في مستقبل الأيام، وستصبح العلاقة بين الأقليات الإسلامية ومجتمعاتها المحيطة بها في الغرب أسوأ من ذي قبل، وهذه مشكلة أخرى يقع جزء كبير من حلها على عاتق الدول الغربية نفسها.

وفي المقابل ينبغي أن نذكر حقيقتين: أولاهما أن معتنقي الإسلام يزدادون في الغرب، وهذه حقيقة ملموسة تحدث عنها المسلمون. وهي تثير قلقاً لدى بعض رجال الدين والسياسيين في الغرب ممن يرون أن الإسلام لا يتلاءم مع الحضارة الغربية وقيمها ونظمها.. والثانية ان المؤسسات الإسلامية في الغرب تملك أداة للتواصل على مستوى الأفراد في المجتمعات الغربية، ولكنها لا تملك أداة للتواصل على مستوى المجتمع. ومعنى هذا ان جهدها ينصب كثيراً على الأفراد والمجتمعات المسلمة نفسها، وأما ما هو خارج ذلك فإن مساهمتها في التعريف بالإسلام لاتزال بصورة عامة أقل من المستوى المطلوب من هذه المراكز مجتمعة، ولهذا أسباب كثيرة منها: قلة موارد هذه المراكز الإسلامية وعجزها عن استيعاب مشروعات ثقافية موجهة وكبيرة ومكلفة مالياً، ومنها أن كثيراً ممن يعملون في هذه المؤسسات الإسلامية في الغرب لايزالون يتعاملون مع الدعوة والتعريف بالإسلام بالأسلوب والآليات القديمة فقط.

ومن هذه الأسباب أن حجم التحديات في المجتمعات الغربية كبير جداً داخل الأقليات الإسلامية وخارجها على حدٍ سواء. وكثير من العاملين في المؤسسات الإسلامية في الغرب ليسوا على مستوى التأهيل المؤسسي الصحيح المناسب لحجم التحدي الواقع في هذه المجتمعات الغربية. وهذا يجعل عمل هذه المؤسسات يأتي في كثير منه ردود أفعال على واقع متصاعد ومتقلب كالبحر يقذف بالجديد كل يوم.

أما سبيل النهوض بهذه المؤسسات والمراكز الإسلامية وتفعيل دورها ففي ظني أنه يأتي من جانبين تغيير من داخلها، ودعم من خارجها. أما التغيير الداخلي فهو تطوير هذه المؤسسات وتحويلها إلى مؤسسات غربية، ولكن إسلامية. ومعنى ذلك أن تأخذ وضعيتها القانونية الصحيحة في الدول الغربية وأن ترفع الكفاءة الإدارية داخلها، ويعاد النظر هيكلياتها الإدارية لتستطيع أن تحقق أهدافها التي أنشئت من أجلها. وتفتح أبوابها للجيل الجديد ممن نشأ في الغرب وتكلم لغته للعمل فيها.. وأما دعمها من خارجها فيعاد النظر في سياساتها المالية وتوفر لها استثمارات ومصادر مالية مناسبة؛ حتى تستطيع أن تتبنى مشروعات كبيرة وثقافية منظمة بما لديها من كفاءات.

ومن مشكلات هذه المؤسسات في الغرب أنها وإن اتفقت في النوايا والأهداف العامة إلا أن كل واحدةٍ منها مستقلة إدارة وخططاً ومنهجاً.. وحبذا لو وجدت مجالس تنسيقية أو هيئات عليا تجعلها لتوحد آلياتها وتستفيد بعض برامجها من بعض، إذن لتحقق الكثير من الخير، وكسب الإسلام سمعة أفضل وفهماً أعلى وأعمق.

مهمة المراكز الإسلامية

أما د. صالح السامرائي - رئيس المركز الإسلامي في اليابان فقال: إن الهدف الأساسي من إنشاء وإقامة المراكز الإسلامية في بلدان الأقليات يدور على: دعم الجاليات الإسلامية المتواجدة في تلك البلدان دينياً وثقافياً واجتماعياً، وتعريف غير المسلمين بالدين الإسلامي وتصحيح ما دسه المنصرون والمستشرقون ووسائل الإعلام المغرضة من شبهات حول الإسلام والمسلمين.. مشيراً إلى أن المركز الإسلامي في اليابان قام خلال الأربعين سنة من وجوده بدور يتركز على إصدار أكثر من خمسين كتابا عن الإسلام باللغة اليابانية، وأسلم الآلاف من اليابانيين بواسطته، ورعى الجالية الإسلامية بالتوجيه، وأعاد بناء مسجد طوكيو والمركز، وإنشاء أول مدرسة إسلامية في اليابان، وأصدر مجلة فصلية توزع على الجهات ووسائل الإعلام، وأقام علاقات مع وسائل الإعلام المقروء والمسموع والمرئي، وعلاقات مع الجهات والمدارس وألقى المحاضرات واستقبل الطلبة، وفتح صفحة إلكترونية ونشاطا في الدعوة عن طريق الإنترنت.

وقامت المراكز الإسلامية بالعالم بأدوار مشابهة إلا أنه بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر أتحدى نشاطاتها.. بسبب توقف الدعم المادي وحتى الأدبي، وعلى هذا: لابد من تشجيع الاعتماد الذاتي المحلي رغم أن المراكز هي غير الجمعيات المحلية التي تقيمها وتدعمها الجمعيات، وكذلك تشجيع إقامة أوقاف على غرار ما قام به أسلافنا وعلى غرار ما تقوم بها الكنيسة والجماعات غير الحكومية، كما أنه لابد أن تدعم المراكز من الخارج لتحقيق الهدف أعلاه بمختلف الوسائل مع ملاحظة: اختيار أهم الصفحات الإلكترونية في كل بلد ودعمها، ودعم الإذاعات المحلية ومحطات الإرسال المرئي المحلي، ودعم النشاطات الدعوية والثقافية والاجتماعية للمراكز، وعدم التمييز في دعم مركز دون مركز، مع إقامة ندوات إقليمية كالتي عملتها منظمة المؤتمر الإسلامي أخيراً في كوريا لمسلمي جنوب وشرق آسيا، وحضور الندوات التي تقام إقليميا ومحليا من قبل مراكز الدعم الخارجي إعلاميا وماديا مثل وزارة الشؤون الإسلامية والاوقاف والدعوة والإرشاد في المملكة وغيرها.

هذه ملامح رئيسية لو أخذ بها لأعطت المراكز نتائج مضاعفة فاليد الواحدة لا تصفق، مراكز الأقليات مسؤولة ودول العالم الإسلامي هي الأخرى مسؤولة، وكلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته كما حدثنا به الرسول الأعظم عليه الصلاة والسلام.

حلبة الصراع

ويبين د. صهيب بن حسن عبدالغفار - رئيس جمعية القرآن ببريطانيا، انه لم يكن هناك مجال واسعٌ وسعَ البحار لبثّ فكرةٍ، أو تقديم رأي، أو عرض مستحق في زمن من الأزمان كما هو متيسر الآن بفضل من القنوات الفضائية، وشبكات الإنترنت العالمية، حيث يتصارع على موجاتها وصفحاتها فرسان العلم، وعشاق الهوى، وأبطال المنابر، كل يُدلي بدلوه، وينفخ في كيره، فليلتقطه من هو على شاكلته، لتعزيز مقولته، أو من هو قائم بالمرصاد لرد سهامه إلى جوفه، ولا يسعنا إلا أن نعترف بفضل أولئك الأفذاذ من الكُتّاب والعلماء الذين قاموا يُدافعون عن حوزة الإسلام، وشرف النبي صلى الله عليه وسلم، في حلبة الصراع، فلهم فيها جهد مشكور، وسعي موفور، غير ان القوى المعادية للإسلام أصبحت جنودها كثيرة، وألسنتها طاعنة متطاولة، وقلوبها حاقدة نافرة، لا تجد فرصة للنيل من الإسلام إلا استغلوها، ولا سهماً مسموماً إلا ورموه، حتى لا يأتي يوم جديد إلا بطامة من القول، أو عاصفة من الهجوم على كتاب رب السماوات والأرض، ورسول العالمين، ودين الإسلام الحق المبين.

وهانحن قبل أيام قلائل شاهدنا فيلماً وثائقياً عن القرآن يُعرض على إحدى القنوات البريطانية، حاملا في طياته سُما في العسل، فانه من جهة مجّد القرآن، وكونه محفوظاً على طول الأزمان، وبراعة لغته، وبلاغة معانيه، وسمو هدايته، غير أنه - من جهة أخرى - دعا إلى فتح باب الحوار حول بعض مفرداته التي استشكل على الغربيين فهمها، أو صعب عليهم استساغة معانيها، فجاء الفيلم بباحث ألماني يقول: إن عدداً من كلمات القرآن هي سريانية الأصل، اللغة التي كانت لا تزال سائدة في الشام حين نزول القرآن، والرجوع إلى أصولها يفتح - حسب فهمه - مغاليق القرآن، فارجع مثلا كلمة (الحور العين) في القرآن إلى أصل سرياني بمعنى العنب، فصارت (الحور) في الجنة عنباً دانية القطاف، جاء هذا الكلام على لسان هذا الباحث مع صورة تُبث على الشاشة عن السيد المسيح وهو يمد يديه لقطف العنب، وهكذا جاء بعدة أمثلة من أبشع صور التحريف المعنوي في القرآن.

وقد سبق ان عبروا عن هذا النوع من تناول معاني القرآن (بقراءة عقلية للكتاب)، ويقصدون بها تلك القراءة التي تقرب إلى القارئ فهم الكتاب في ضوء المعايير العصرية، والموازين العقلية التي يؤمن بها العقلانيون والمستشرقون، فعلوا ذلك بكتابهم فلم يبق فيه امرٌ للآمر، ولا نهيٌ للناهي، وصارت المعجزات آياتٍ من تصاريف الدهر، وتقلبات الأجواء، فلا حول ولا قوة إلا بالله.

وهنا يتجلى موقف دعاة الإسلام، والموقعين من رب العالمين للدفاع عن قيم الإسلام وتعاليمه، ولا يمكن أن يثمروا في هذا المجال إلا إذا حالفهم أثرياء هذه الأمة بأموالهم، فالحديد لا يفلح إلا بالحديد، والسيل لا يقاومه إلا سيل مثله، والقنوات الفضائية التي تدعو إلى الإسلام الخالص - وباللغات الأجنبية خاصة - قليلة جداً، قد تُعد على الاصابع، فهل فكر الأغنياء من هذه الأمة في تكاتف الأيدي على فتح قناة باللغة الإنجليزية، والأخرى بالفرنسية مثلاً، ويُمدونها بأموالهم، بينما يتفرغ لعرض برامجها، وللرد على أبواق الباطل، الأذكياء من العلماء والباحثين والمفكرين بما تجود به قرائحهم، وتسمو به مداركهم، أما التصدي لما يُوحي به الشياطين إلى أوليائهم على صفحات الإنترنت فالأمر سهل، والخطب يسير، لأنه لا يستدعي بذل الأموال بكثرة كاثرة، بل إنما يحتاج إلى عقول نيرة، وأذهان مستنيرة بنور الإسلام، فتقوم أولاً برصد الأفكار الزائغة، ثم بتناولها بالرد العلمي الرصين.

وبما أن المنشور على الإنترنت كم هائل من العلم المشوب بالجهل البسيط والمركب، فلذلك ينبغي أن تكون هنالك عدة مراكز مهمتها أن ترصد كل ما يقال عن الإسلام حقاً أو باطلاً، واقعاً أو خيالاً، كلمة أو مقالاً، رسماً أو تمثيلاً، فلا يتركون شاردة ولا واردة إلا أحصوها، ثم صنفوها تصنيفاً حسب المواضع، وطرحوا منها المكرر، وأبقوا منها الأهم فالأهم، ثم عمدوا إلى قائمة لهم مسبقة تضم عناوين الدعاة الكبار، والباحثين الأجلاء، والمفكرين النبهاء، يلتمسون منهم الرد المفحم، كل حسب اختصاصه وميدان عمله، على غرار الموسوعات العلمية التي يُحيل كل موضوع إلى الشخص الذي هو فارس رهانه، وحائز قصب السبق في كليته، فيأتون بأجود المقال والدرر من الكلام والأمثال.. فيالها من تأثير في العقول، وجذب للقلوب، وفتح للآذان، وخشوع لسلطان العلم المؤدي إلى خشية الله: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء}.

فالدعوة إلى الله فريضة، وكذلك الدفاع عن حوزة الإسلام، في وقت كثرت فيه أبواق الشياطين، واجتمعت كلمتهم على رمي الإسلام بما هو منه بريء، فلتكن لدعاة الإسلام همة عالية، وهدف أسمى، وغاية فضلى:

فعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم

وتأتي على قدر الكرام المكارم

ولا يكونون ممن صدق فيهم قول القائل:

دع المكارم لا ترحل لبغيتها

واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي

فعمل الدعوة، والدفاع عنها، أمر جليل، والثواب على ذلك جزيل، فقوموا أيها الدعاة إلى الله بالدفاع عن الإسلام، والله يدافع عنكم: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ}.

الحفاظ على الهوية

ويؤكد الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله العمار - وكيل وزارة الشؤون الإسلامية، أن للمؤسسات الإسلامية دورا شامخا في الحفاظ على المجتمعات الإسلامية في بلدان الأقليات المسلمة في المجتمعات غير الإسلامية؛ لأنها الوسيلة الكبرى لتعليم المسلمين وتوجيههم ولربطهم بالثقافة الإسلامية، فهم من جنسيات مختلفة، ومن الطبيعي أن تختلف عاداتهم وتقاليدهم، ولكن توحدهم الثقافة الإسلامية ويربطهم الدين الحنيف لأنه دين الجميع دين البشرية كافة فلا تفصلهم الاختلاف في الألوان والعادات والقبائل. قال تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}.

وقد أُسست الجمعيات المؤسسات الإسلامية لأغراض دينية نبيلة، ولكن لا يمكن تحقيق تلك الأهداف إلا من خلال الوحدة الكاملة، ولذا يجب علينا أن نركز على التنسيق والتعاون في هذا المجال لأن ساحة العمل الإسلامي في حاجة إلى تضافر الجهود، وأن المؤسسات الإسلامية أولى وأجدر بهذا التضافر الذي يتمثل في توحيد الصفوف وتجمع القوى وتوحيد الهدف، وأن تقوم بالتنسيق بينها داخلياً وخارجياً لتصحيح الصورة المشوهة لدى المجتمعات غير الإسلامية عن الإسلام، وجهلها بالإسلام وتعاليمه السمحة.

ولتصحيح صورة الإسلام في المجتمعات غير المسلمة فلابد من الانفتاح على المجتمع غير المسلم والتواصل مع مؤسساته وأفراده وهو أمر شاق وطريق وعر طويل، ومن مستلزمات التمسك بهذا الأسلوب والمحافظة على وسائله والصبر على مشاقه، المعرفة الموضوعية المتجردة من كل خلفية عاطفية نفسية بسلبياته وإيجابياته، والمعرفة العميقة بسلبيات التخلي عنه والتقوقع خارج المجتمع وإيجابيات ذلك، ولابد من تحديد أهداف التواصل، ووضع تصور معاصر ومستقبلي لوسائله، واقتراح برامجه ومجالاته، والمعرفة بحدوده وضوابطه.

ومن الضوابط العملية التي يجب مراعاتها أن يتم التواصل وفق مخطط مرحلي يحدد الأوليات بناء على معرفة الحاجات والإمكانات، ومن ذلك تطوير وسائل العمل الإسلامي وأساليب الدعوة الإسلامية، ومحاولة التقارب بين المراكز الإسلامية وتنسيقها للعمل بضوابط ثابتة متينة، منها الحرص على سلامة المنهج، والإخلاص وروح التعاون، والبعد عن التعصب والتقليد الأعمى، فلا يكون تعدد وجهات النظر داعياً للتعصب للرأي الواحد أو إحداث فرقة بين فصائل العمل الإسلامي. قال تعالى: {اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ}. وتوحيد الخطاب الديني قدر المستطاع، والابتعاد عن الخلافات في التعامل التي تؤدي إلى تنفير غير المسلمين ورسم صورة غير صحيحة عن الإسلام.

وكذلك تعيين الدعاة المؤهلين لهذا العمل ممن لهم معرفة عن أحوال وظروف البلد، والالتزام بأصول الدعوة وآداب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأول ما يجب الالتزام به حسن المعاملة ولين القول. قال تعالى {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ}، ويجب من خلال الانفتاح على المجتمعات غير المسلمة إبراز الجوانب الإنسانية البشرية الحضارية الكامنة في الشريعة الإسلامية، ويجب التعاون مع جميع عناصر المجتمع من أجل تحقيقها والإسلام كله خير، كما يجب التركيز على شمولية الإسلام في مناهجه فهو يتناول مظاهر الحياة جميعاً، ففي توجيهاته الفكرية، وفي تعليماته الأخلاقية، وفي تشريعاته القانونية لم يقتصر على الشعائر المعروفة بل يتناول واقع الحياة، وواقع الكون، وواقع الإنسان. فوسطية الإسلام شاملة وجامعة لكل أمور الدين ورعايته للمثل الأخلاقية العليا والقيم الإنسانية الكبرى. ومما يجلي وسطية الإسلام جمعه بين الأصالة والمعاصرة وتميزه بالثبات والمرونة وحسن التعامل مع المتغيرات.

ومن وسائل تحقيق الأهداف: تنظيم المؤتمرات والندوات والملتقيات ودعوة مسؤولي الجمعيات والمنظمات للمشاركة فيها، والتعاون بين المراكز للدراسات والبحوث العلمية ورصد ما يكتب ويقال عن الإسلام في وسائل الإعلام والرد عليها بأسلوب حكيم مقنع، والتواصل بجميع عناصر المجتمع وضمن الضوابط المتاحة في هذه البلاد، دون استباحة القوة والعنف، واحترام قوانين هذه البلاد، وكذا مشاركة المؤسسات الإسلامية في الفعاليات المشتركة مع المؤسسات الاجتماعية الأخرى والهيئات الحكومية. وقد أصبحت الفعاليات المشتركة أسلوباً سائداً من أجل تحريك المجتمع وكسب اهتمامه لقضية من القضايا التي تشكل قاسماً مشتركاً من أهداف الجهات المشاركة، والمشاركة في المجالس الوطنية لمكافحة التعصب والعنف. والحوار مع الأحزاب المختلفة.


 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد