Al Jazirah NewsPaper Friday  31/10/2008 G Issue 13182
الجمعة 03 ذو القعدة 1429   العدد  13182
د. محمد السحيم أستاذ الثقافة الإسلامية بجامعة الملك سعود لـ«الجزيرة»:
أصحاب الفكر الضال استغلوا بعض الثغرات في العمل الخيري للحصول على الأموال

الرياض - خاص بـ(الجزيرة)

طالب الدكتور محمد بن عبدالله السحيم الأستاذ المشارك بقسم الثقافة الإسلامية بجامعة الملك سعود بالرياض، بالاهتمام بالمؤسسات الإعلامية الإسلامية العاملة في حقل الإعلام المقروء، والمسموع، والمرئي، وتدريب العاملين فيها، والارتقاء بمستواهم المهني. وأكد د. السحيم على ضرورة العناية بالدراسات التي تتعلق بشؤون الدعوة، ووضع الخطط المستقبلية لها، مع وضع آلية جديدة للعمل الخيري الدعوي.

وحذر د. محمد السحيم من الحرب التي تشن على البرامج الدينية، وعلى الدعاة.. مطالباً بكشف الجهات التي تقف وراءها، كما أكد على ضرورة وضع آلية جديدة لتمويل العمل الخيري، خاصة بعد أن استغل أصحاب الفكر الضال بعض الثغرات في العمل الخيري للحصول على المال. جاء ذلك في حوار (الجزيرة) مع الدكتور محمد السحيم.. وفيما يلي نصه:

* ما رؤيتك لواقع الدعوة في الوقت الحاضر؟ وكيف ترى أداء الدعاة حالياً مقارنة بالماضي؟

- أولاً ينبغي أن نعلم أن الحديث هنا في هذا الموضوع المهم أنه حديث عن الدعوة في العالم الإسلامي، والحديث عن الدعاة ينبغي أن يتناول جميع الدعاة لأن الدعاة ليسوا هم فقط المتفرغين للدعوة بل كل من يقدم خيراً للناس من المسلمين فهو داعٍ إلى الله، فالمفتي والشيخ الذي يشرح لطلابه العلم الشرعي ومن يرشد الناس لحل مشاكلهم الاجتماعية من منطلق شرعي والدعاة في مكاتب الجاليات والمسؤولون في الجمعيات الخيرية والمحاضرون ومؤسسو القنوات والوسائل الإعلامية الإسلامية وكل من أسهم في تطبيق هذا الدين في واقع الحياة فهو داعٍ إلى الله.

أما واقع الدعوة في هذا العصر فهو كواقعها في غيره تنشط متى ما وجدت الظروف مواتية وتضعف متى ما كانت العقبات عظاماً، لكن بحمد الله واقعها يبشر بخير، فالنتائج التي تتحقق في واقع الناس وفي دعوة غير المسلمين وفي تقديم الخدمات للخلق مطمئنة ومبشرة.. ومن سنن الله في نصرته لأوليائه وحملة دعوته أنها كل ما كانت العقبات جساماً فإن الدعوة تؤتي أكلها أعظم.

أما أداء الدعاة في هذا العصر فأقول: وبيض الله وجههم فرغم كل هذه العقبات التي تعترض الدعوة والتضييق إلا أنهم يحققون قفزات نوعية رائعة ويحققون نجاحاً مهماً خاصة في ظل هذه الظروف، إذ يتوقع البعض أنه في ظل المقاييس البشرية، فكان يجب أن تتوقف الدعوة في كثير من بقاع العالم نتيجة للظروف لكن نرى بحمد الله إسهامات جيدة مباركة، ولهذه البلاد إياد بيضاء في دعم العمل الدعوي ومؤازرته، ونحن ننتظر من الدعاة أكثر مما نرى منهم لأن المواجهة التي يمر بها الإسلام اليوم شرسة والشاهد على ذلك التصريحات التي تأتي من قبل القيادات الدينية والكنسية والبرلمانية الغربية وكذا الهجمات الإعلامية والمؤتمرات التي تعقد في الغرب للنيل من هذا الدين العظيم، والمطالبة بسن تشريعات تحد من حركة العمل الإسلامي وتجرم من يقوم بهذا العمل وإن كانت بمسميات مختلفة.

* حقق الإعلام الديني الكثير من النجاحات، وزادت وسائله وانتشاره، خاصة في مجال الفضائيات، والمجال الإذاعي.. كيف ترون هذه النجاحات؟

- وسائل النجاح كثيرة ولله الحمد بل نحن ولله الحمد نعيش النجاح يؤكد ذلك الشارع المسلم في كل دول العالم الإسلامي إذ ترى العودة للمساجد والحجاب والمطالبة بأسلمة الحياة هذا على صعيد العالم الإسلامي أما على الصعيد الغربي فتؤكد كثير من الدراسات التي تنشرها المؤسسات الغربية على أن الإسلام هو أكثر الأديان انتشاراً أليس هذا شاهداً على النجاح، ومؤكداً أننا نعيش النجاح وهو مصداق لقوله صلى الله عليه وسلم: (ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ولا يترك الله بيت مدرٍ ولا وبر إلا دخله الله هذا الدين بعز عزيزٍ أو بذل ذليل عزاً يعز الله به الإسلام وذلاً يذل الله به الكفر وكان تميم الداري يقول قد عرفت ذلك في أهل بيتي لقد أصاب من أسلم منهم الخير والشرف والعز ولقد أصاب من كان منهم كافراً الذل والصغار والجزية).

* ما هي الوسائل المطلوبة للارتقاء بالإعلام الإسلامي المقروء والمسموع والمرئي؟

- التوكل على الله سبحانه وتعالى واللجوء إليه والتحقق من أن جميع الوسائل والأسباب التي نتخذها موافقة لهدي المصطفى صلى الله عليه وسلم لنستجلب المدد الإلهي.

- العناية بالمؤسسات الراشدة التي تقوم بواجب التدريب للعاملين في هذه الوسائل ومحاولة رفع كفاءتهم، والعناية بانتاج الوسائل الدعوية تناسب العصر وتستطيع أن تنافس المنتج الغربي الحاقد الذي يشوه الإسلام فهل في واقعنا اليوم مؤسسات إنتاج قادرة على إنتاج أفلام وأعمال فنية تنافس المنتج الغربي وتستحوذ على اهتمام المشاهد الغربي وتجعله يقبل الحقيقة التي تحملها هذه الوسائل الإعلامية؟!

- العناية بالدراسات التي تتعلق بشؤون الدعوة وتقيس الاحتياج وتقيم العمل القائم وتقترح العمل المستقبل وتعالج القصور إن الغرب حينما ينطلق للهجوم على ثوابتنا وعلى بلاد المسلمين فإنما ينطلق من دراسات دقيقة تستقصي كل شيء عنا فهل نقابل هذا الفعل الدقيق بردود أفعال مؤقتة؟، إننا بحاجة إلى أعمال علمية مؤسسية هي نتاج دراسات وبحوث، وهذه تحتاج أموالاً طائلة لتمويلها وينتظر تمويلها من أصحاب رؤوس الأموال ومن حكومات العالم الإسلامي.

- وضع آلية جديدة لتمويل العمل الخيري الدعوي فلا شك أن البعض من ضعاف النفوس ومن أصحاب الفكر الضال استغل بعض الثغرات في طريقة تمويل العمل الدعوي، ولكن علينا أن نسارع في وضع آلية راشدة تحقق التواصل بين رأس المال وبين العمل الدعوي لأنه لا يقوم العمل الدعوي بدون الدم الذي يتدفق في شرايينه وهو المال عصب الحياة، ولا تزال المؤسسات الغربية تستقبل التبرعات للتنصير ولإضلال المسلمين. ولأننا إذا لم نسارع لتحقيق ذلك فإن المحسنين والمتبرعين سيوجهون أموالهم إلى وسائل تقليدية مأمونة في نظرهم، ونحن نريد أن نحقق لهم أماناً في مدفوعاتهم ونحقق لهم نجاحاً فيما يدعمون.

إنشاء مؤسسات دعوية متخصصة في دعوة غير المسلمين وفي الدفاع عن الإسلام والمسلمين وأن يصرف لها من ميزانيات الدول ومن المؤسسات المالية ميزانيات تحقق لها القيام بواجبها بل ينبغي أن يصرف لها من أموال الزكاة ما يساعدها على ذلك خاصة في ظل الفتوى بجواز صرف الزكاة في ميادين الدعوة وأن تخير المؤسسة بين أن تدفع الزكاة لمصلحة الزكاة أو الجهات المماثلة لها في الدول وبين أن ندفعها للمؤسسات الدعوية، لأن هذا يعمل به في الدول الغربية إذ تخير المؤسسات بين أن تدفع الضريبة للدولة أو لأي مؤسسة اجتماعية أو كنسية.

- وضع نظام يسمح بإعارة المبرزين في المجال الدعوي من أساتذة الجامعات وغيرهم من المؤسسات الدعوية التي تعاني من ندرة المتفرغين لأداء أعمالها لأن ذلك يحقق لها دعماً مالياً وبشرياً يسهم في نجاح أعمالها؛ لأن الوسائل الإعلامية لا تتوقف على الكوارد البشرية التي تباشر أعمالها بل العمل الإعلامي الدعوي منظومة متكاملة تتحدث عن إنجازات وقيم ومبادئ ومثل، لذا لا بد أن تتكامل المنظومة الدعوية ولذا اقترحت بعض المقترحات التي لا علاقة لها مباشرة بالإعلام الدعوي.

- التركيز على التخصص فنحن في زمن تخصص وقد يكون من الخير أن تنطلق قنوات متخصصة وراقية تكون مهمتها التعريف بالإسلام وتكون بلغات متعددة وتسخر لها أموال لتحقق أهدافها ولنعلم أن نشر الإسلام سيحقق لنا أهدافاً سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية.. ألا نرى كيف تحرص الدول على استدامة الولاء السابق للدول التي سبق أن احتلتها فهذه فرنسا ترعى دول احتلالها في مجموعة واحدة، وبريطانيا لها رابطة ترعى من خلالها دول احتلالها، وهكذا وهناك تنافس بين أمريكا وفرنسا على الدول الإفريقية وهكذا نحن ينبغي لنا أن نحرص على الدعوة لأنها ستحقق لنا مكاسب دينية ودنيوية وعاجلاً وآجلاً.

- العناية بالدول التي غفلنا عنها كثيراً كدول الشرق الأقصى والصين لأنها سيكون لها شأن في المستقبل القريب.

* الحروب التي تشن على البرامج الدينية والدعاة، كيف تراها ومن يقف وراءها؟

- هذا أمر طبيعي فلو لم تكن مؤثرة لما واجهت هذه الحرب، ولنتذكر قول أبي سفيان عند هرقل لما قال عن الرسول صلى الله عليه وسلم: (فلما خرجت مع أصحابي وخلصت لهم قلت لهم أَمِرَ أَمْرُ ابن أبي كبشة، هذا ملك بني الأصفر يخافه، قال أبو سفيان فوالله ما زلت ذليلاً مستيقناً أن أمره سيظهر حتى أدخل الله قلبي الإسلام وأنا كاره)، وقد واجهت الرسل عليهم الصلاة والسلام الحرب النفسية والحرب البدنية، فهذا أمر لا يستغرب، بل يدل على قوة هذه البرامج وتأثيرها. أما من يقف خلفها؟ فلا يستطيع أحد أن يحدد بيقين كل من يقف خلفها، فهناك مؤسسات غربية معروفة تعلن المؤتمرات وتخرج بتوصيات تستهدف الإسلام كله دولاً وشعوباً ووسائل.. وهناك مؤسسات تلبس لبوس العمل الإنساني وتدعي المحافظة على حقوق الإنسان وهي تستهدف الصد عن دين الله والحرب على وسائل المسلمين، لكننا لا نراها تهاجم وسائل الغرب الموجهة ضد المسلمين سواء في صور وأنماط الاحتلال المعاصر أو السجون والمعتقلات أو التطاول السافر على عقائد الإسلام ومرتكزاته بل تعد ذلك حرية شخصية لكن وأن مثل هذا العمل قام به مسلم في مواجهة اليهود لعد ذلك مخالفاً وجرماً تجب معاقبة صاحبه.

كما أننا لا نغفل عن أن بعض أبناء المسلمين قد يشاركون في هذه الحرب إما نتيجة جهل أو حماس وقد يستأجر البعض منهم كما قال تعالى: {وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ} لكن الأهم من ذلك معرفة أساليبهم ووسائلهم في الحرب على هذه البرامج بل على الإسلام كله ثم تواجه هذه الحرب بعمل طويل المدى وفق خطط إستراتيجية ترعاها مؤسسات معتبرة وتمولها دول تستشعر أمانتها وتنطلق من محبتها لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ولدينها ولأمتها، وخير من يقوم بذلك هي هذه البلاد المباركة مهبط الوحي ومنطلق الرسالة، والمسلمون ينتظرون منها الشيء الكثير، فلتحمد الله إن كان هذا قدرها وهي ولله الحمد تقوم بشيء كثير.

* هناك مفاهيم ومعتقدات شائعة في كثير من المسلمين مثل التسليم بما تنشره بعض المطبوعات في أبراج المواليد والتفاؤل ببعض الأيام والتشاؤم من بعض الصور والظواهر الكونية، ما موقف الإسلام من مثل هذه الخرافات والأوهام؟

- الرسول صلى الله عليه وسلم جاء للبشرية ليحرر العقل من الخرافة ويربط الخلق بالخالق مباشرة ويقيم لهم حياة واقعية تعتمد على نصوص الوحي وما تقبله العقول وتستقيم عليه الفطر ويتخلص الإنسان من خلال هذا الدين العظيم من ربقة الخرافة كخرافة اعتقاد أن الله ابناً وأنه صلب ليظهر البشرية من أرجاسها، أو اعتقاد أن الكواكب مؤثرة بطبعها أو ما شابه ذلك.

فكيف بعد أن تلقت البشرية نور الوحي واستضاء المسلم بهذا النور يقبل الأرتكاس في ظلمات الخرافة إن أبرز ما يميز الإسلام أنه يربي أتباعه على طلب البرهان {قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} فالمسلم أنه لا يؤمن بشيء إلا إذا قام عليه البرهان فهل هذه الخرافات يسندها دليل أو يعضدها عقل بل هي خرافات أكل عليها الدهر وشرب، يروجها كل من ضاقت به السبل في طلب العيش ليسترزق بها، ويؤمن بها من ضعف عقله ودينه.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد