الإنسانية لا يمكن تجزئتها، إذ لا يصح أن أتعاطف مع إنسان يعاني من أزمة أو يتعرض لمأساة تتمثل في إصابته بمرض أو تعرضه للاعتقال، لأنه عربي مثلي ويدين بالإسلام، صحيح أني يجب أن أقف معه وأسانده، وأبحث عن طريقة لتخليصه من العذاب الذي يعاني منه، ولكن وفي نفس الوقت أتعاطف مع أي إنسان آخر يعاني من نفس المشكلة.
هذا الشعور والالتزام الإنساني تربينا عليه كمسلمين وعرب، وتؤكده الوقائع والأحداث في تاريخنا المعاصر، حتى في الوقائع اليومية، ولهذا فإن الإنسان يشعر بالأسى عندما يتجاهل المجتمع الدولي مآسي الأسرى الفلسطينيين الذين فرض عليهم الاعتقال ومصادرة حريتهم وحرمانهم من أبسط حقوق الإنسان، ومن أهمها العلاج.
مطالبتنا للمجتمع الدولي بأن ينصف إخوتنا الأسرى الفلسطينيين مبني على ما قام به آباؤنا وأجدادنا من أعمال إنسانية تجاه أسراهم من نفس الأشخاص الذين يرتكبون الجرائم الفادحة ضد الفلسطينيين.
أمس تلقيت رسالة ب(الإيميل) تتضمن إفادة حقوقية من نادي الأسير الفلسطيني تُخبر بأن
الأسير الفلسطيني (نور الدين العصا -24 عاما)، يعاني من فشل كلوي، وحياته مهددة بالخطر إذا لم يتم نقله للعلاج إلى مستشفى متخصص.. وعلمت (الجزيرة) من مصادرها الحقوقية أن الأسير (العصا) المعتقل منذ تاريخ 17-6-2007م يقبع حالياً في مستشفى سجن الرملة اليهودي، وأنه لم يتلق العلاج الطبي اللازم لحالته التي تتدهور يوما بعد يوم.
في غضون ذلك أعلن تقرير صادر عن رابطة أطباء لحقوق الإنسان الإسرائيلية أن سلطة السجون الإسرائيلية تحتجز أسرى فلسطينيين في زنازين عزل انفرادي لفترات تزيد أحياناً عن عشرين عاماً.. وبحسب التقرير الحقوقي الإسرائيلي فإنه يجري احتجاز الأسرى الفلسطينيين بشكل انفرادي في زنازينهم لمدة 23 ساعة في اليوم، من دون أن يلتقوا أحداً.. كما لا توفّر لهم سلطات السجون الحد الأدنى من الشروط المطلوبة لقضاء الوقت، ولا يُسمح لهم بالاتصال مع أقاربهم.. وأحياناً تُمنع الزيارات عنهم لفترات طويلة.
قراءتي (للإميل) جعلتني أتذكر تفاصيل فيلم يتحدث عن قائد عسكري أردني عربي، هو الميجر عبدالله التل، وكيف تعامل مع الأسرى اليهود في معركة القدس في حرب عام 1948 حينما وقع في الأسر مجموعة من الجنود الإسرائيليين، وكانت حالتهم السيئة قد جعلت القائد الأردني عبدالله التل الذي يحاصر القدس الغربية يرأف بحالهم وتتحرك النخوة الإنسانية المتأصلة عند العربي الحر فأمر بعلاجهم وطمأنهم بمعاملتهم كأسرى حرب، رغم أنهم كانوا في عصابات الهاجانا، وظلت معاملة التل نهجاً لدى القوات العربية في حرب فلسطين حتى أن الجنرالات الإسرائيليين قد تحدثوا عنها؛ فقد ذكر الواقعة الجنرال حاييم هيرزونج في كتابه عن الحروب العربية الإسرائيلية والذي تضمن مذكرات ديفيد بن غورين.
مأساة الأسرى الفلسطينيين المستمرة والمتواصلة، وأفعال قادة الجيوش العربية في حرب فلسطين من أمثال عبدالله التل تفرض أن نعيد كتابة سيرة هؤلاء القادة الذين تدخلت السياسة لإجهاض جهادهم وعدم تمكينهم من إنجاز مهامهم العسكرية؛ فالقائد عبدالله التل كان مسيطراً على مجمل منطقة القدس الشرقية والغربية التي يحاصرها إلا أن الخديعة الدولية التي تمثلت في فرض وقف إطلاق النار وتقسيم القدس وفلسطين قد منع هؤلاء الأبطال من تحقيق غايتهم.
jaser@al-jazirah.com.sa