أريد في هذا الموضوع أن تهدينا الذاكرة بعضاً من رجال هذا الوطن، الذين لم يتيح لهم عصرهم بنقل أشعارهم وتجاربهم لنا، أو أن يكونوا هم مقصرين في ذلك نظراً لظروف العيش، التي هي أكبر من أن تتيح لهم توثيق قصائدهم وحفظها، كنوع من الوفاء لهم وما قدموه للتراث وللأجيال من حكمة وحنكة وتجارب، كما أرجو من لديه ترجمة لبعض الشعراء الذين لم يسلط عليهم الضوء أن لا يبخلوا علينا بالكتابة عنهم وذكر سيرتهم العطرة. |
حديثنا اليوم هو عن المرحوم -بإذن الله- الشاعر الكبير دخيل الله بن محمد بن دخيل الله الشكري الدوسري، ولد الشاعر رحمه الله في وادي برك في عام 1355 للهجرة وتوفي رحمه الله في محافظة الخرج بتاريخ 8-2-1420هـ كغيره من أبناء جيله انتقل من وادي برك إلى الرياض للبحث عن لقمة العيش ومن ثم إلى الأحساء وأخذ بها أربع سنوات ثم عزم للرحيل إلى الكويت وقضى هناك تقريباً 15 عاماً وكانت تعبر تحولا كبيرا في حياته وشعره فالإنسان مهما أشغلته دنياه لابد أن يشتاق لوطنه ومرابع صباه. كما يقول الشاعر أحمد شوقي: |
وطني لو شغلت بالخلد عنه |
نازعتني إليه بالخلد نفسي |
فيقول شاعرنا هنا رحمه الله معبرا عن أمنيته بالعودة إلى دياره وهو في الكويت: |
ليت التماني للفتى تدرك امناه |
وان قولة ياليت تقضى اللزومي |
كان اتمنى شوف ربعي ومرباه |
حيثه هوا قلبي وغاية حلومي |
حدتني الدنيا على غير ما ارضاه |
واصبر على الدنيا بقو العزومي |
|
فيا الله ياللي كل خلقه برجواه |
يا دايما وسواه ما احدا يدومي |
ياللي الى ظاقت على العبد ناداه |
وانت الاله اللي بخلقك رحومي |
لاطرقياً جاني ولا خط اقراه |
ولا اتحرا من يجيب العلومي |
الله على اللي يطوي الخد ممشاه |
مسافة اليومين له نصف يومي |
لاغاب نور الشمس والليل غباه |
ولع بنوره واقتدا بالنجومي |
سواقه اللي يبخص الدرب ماتاه |
يعرف طريق ارمالها والحزومي |
والجدي منه اخلاف واسهيل ينصاه |
ينصاه كنه له على الدرب يومي |
يسرح من الجهرا وفي برك ممساه |
والعصر في ذيك الديار امعزومي |
ومن قصيدة أخرى يصف بها جمال دياره متغنيا بروعة طبيعتها وبراعة الخالق في تصويرها: |
دار بدل ديرتي ياعبيد ما بغيها |
مابغيه ياعبيد لو زانت مناظرها |
شوامخا فوق سطح الخلد مرسيها |
بامر الاله العزيز الى مصورها |
وسهالها الرجل ما تحفى مواطيها |
لكن زل العجم فوقه منشرها |
مهما يطول الدهر مانيب ناسيها |
في خاطري دايما والقلب ذاكرها |
وفي هذه الأبيات يصف الجار والضيف ومدى احترامهم وتقديرهم له وسمو مكانتهم في قلوبهم: |
وقصيرهم يحشم وتدمح خطاياه |
ومقدريناً جارهم ومحشومي |
والضيف يوم الضيف ما يوجد اقراه |
ثلاث وجبات عليهم لزومي |
وخويهم يامن وامانه بيمناه |
ويامن بهم يوم الأمان معدومي |
توسم عصاه ولا تهقوا به اعداه |
ويمشي بها بين آل زايد عمومي |
ونجده هنا يفخر في الخصال العربية الكريمة التي أقرها الإسلام ووصى بها حيث يقول: |
في سلمنا حنا هل المثلوثه |
يوم المجاعه والقرى عسير |
وفي سلم ربعي ما يبيعون اللحم |
ولا نجلب الفايت ولا العقير |
وخوينا في الخوف توسم له العصى |
وديارنا يهمل بها القصير |
قلته وانا من لابتا زايديه |
أهل الفخر والمجد والتقدير |
|
والضيف عند معزبه عمدة قراه |
قولة هلا بالضيف والخلق الحسين |
وقولة هلا بالضيف من حسن الصفاه |
وصى بحق الضيف رب العالمين |
ومن قدم المعروف بالطيب لقاه |
ولايضيع الطيب عند الطيبين |
الحياة تجارب من العبر والدروس والمواقف والأحداث والتجارب التي نستقي منها الحكمة ونتعلم منها ما ينفعنا، وهنا يهدينا شاعرنا دخيل الله رحمه الله هذه النصيحة: |
وترى الرجال اوصوفها مثل اصابعك |
والفرق بينه ما يبي له علومي |
ورفقتك لخيار الرجاجيل تنفعك |
وتفخر برفقة طيبين السلومي |
وصديقك اللي صافياً ناصحاً معك |
صداقته دوم الليالي تدومي |
وداعة الله يابني ثم بودعك |
ابعد من اللي يلحقك منه لومي |
وحذراك من ولد الردي لايرابعك |
ما تنفعك رفقة ردي العزومي |
لانافعا نفسه ولاهوب نافعك |
حيث انه من كسب الجميل امحرومي |
لاصار طبعه ما يناسب طبايعك |
خله وعده في الحياة معدومي |
وهنا يرشدنا للتعامل مع الحياة وكيفية الصبر في طلب الرزق وأن الدنيا تذهب بالقليل وتأتي بالكثير والعكس صحيح: |
وان شفت من ميل الدهر كثر الا نكاد |
فلا تقول أن الفرج مستحيلي |
الرزق عند اللى له الخلق سجاد |
وهو الذي برزاق خلقه كفيلي |
ودنياك مثل الضل لوزال ينعاد |
مثل الظلال بكل صوب يميلي |
وله رحمه الله هذه القصيدة الغزلية من قصيدة طويلة أختار لكم منها: |
عند العشي ذبيت في عالي الزبار |
وانا للشقي من المشاريف نصاحي |
ساعة رقيته هلت العين غزر عبار |
كما هل وبل من مقاديم رواحي |
ويا فوح قلبي فوح شامية ببهار |
جحاها المقهوي لاتباطاه مافاحي |
ويازوع قلبي زوع مشبوكة الحرار |
الى وكدة في عالي الرجم ملواحي |
ويا جرح قلبي جرحة السيل للجوار |
تنحى بسيل من مناشيه جراحي |
على صاحب يذكر بدار وانا في دار |
ترى من تشقى بالمحبين مارتاحي |
هذه نبذة موجزة عن قصائد شاعرنا وما تحمله من حكمة وخبرة ننهلها من تجاربه التي مر بها والرجولة في تعامله مع الغير.. قصائد جزلة تحمل وحدة عضوية وموضوعية في أسلوب سهل ممتنع لاتعقيد في العبارة ولا غموض في المعنى. فأتت تجربته الشعرية صادقة ناطقة تحمل رؤيته للواقع بعقل وبصيرة وحنكة وحكمة رحمه الله وأسكنه فسيح جناته. |
بقلم: إبراهيم الشتوي |
|