تعتبر أسواق المال مرآة حقيقية تعكس الأوضاع الاقتصادية للدول؛ حيث تعبر أسواق المال عن حقيقة النظم المالية والاقتصادية في أي دولة من خلال توضيح حقيقة أوضاع الشركات المقيدة ومدى قدرة ومساهمة هذه الشركات في التنمية الاقتصادية. وتعتبر عملية توفير السيولة المالية من أهم وظائف الأسواق المالية، وذلك من خلال تحويل الاستثمارات طويلة الأجل إلى أصول سائلة.
وبنظرة ثاقبة إلى أسواق المال الخليجية نجد أنها أسواق ناشئة ولكنها حققت طفرات هائلة في سنوات قليلة جعلت منها سوقا مميزة في الأسواق الناشئة، حيث شهدت أسواق المال في دول مجلس التعاون الخليجي عام 2004 أفضل أداء لها منذ عدة سنوات سابقة وفي تقرير مالي عن أداء البورصات الخليجية أوضح أن هذا الأداء القوي يرجع إلى التنمية الاقتصادية في المنطقة بالإضافة إلى عدم قبول المساعي الأمريكية التي كانت ترمي إلى زيادة إنتاج منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) بل مضت المنطقة في تنفيذ خططها الرامية لتخفيض سقف الإنتاج بنسبة 4% لتصل إلى 25.50 مليون برميل يومياً ابتداء من 1-4-2005 وفي إطار سعي دول مجلس التعاون الخليجي إلى الوصول بدول المجلس إلى تحقيق الوحدة الاقتصادية الكاملة. ومن أهم أوجه الوحدة الاقتصادية إنشاء سوق مال موحدة للدول الأعضاء. وعلى الرغم من التطورات الإيجابية التي شهدتها أسواق الأوراق المالية الخليجية في السنوات الأخيرة من النواحي التشريعية والمؤسسية وترسيخ ودعم قواعد نظم العمل فيها، إلا أنها ما زالت تعاني عدداً من السلبيات التي تحد من قدرتها على القيام بالدور التمويلي والتنموي المنوط لها.
وتتمثل أهم هذه السلبيات في الأطر التشريعية والتنظيمية المتمثلة أساساً في غياب الاستقلال الإداري لبعض البورصات الخليجية وقلة الإصلاحات المخولة لها فضلا عن افتقارها إلى أدوات الرقابة التي تساعد على إدارة الأوراق المالية وغياب المؤسسات المساندة.
وتواجه البورصات الخليجية تحديات كبيرة تتمثل في تغيرات أسواق النقد والمال والتكنولوجيا وثورة المعلومات والتكتلات والتجمعات الاقتصادية وتحرير التجارة الدولية، ويتطلب ذلك من البورصات الخليجية تصحيح أوضاعها ورفع كفاءتها كي تستطيع القيام بالدور المطلوب لخدمة اقتصاديات الدول الخليجية.
وفي إطار تفعيل دور البورصات الخليجية في التنمية الاقتصادية أقيم مؤتمر أسواق المال الخليجية في قطر الذي ناقش دور هذه البورصات في عمليات تفعيل التنمية وزيادة قوتها أمام الأسواق المالية الكبرى. وقد اختتم المؤتمر الذي عقد في أكتوبر 2004 بتوصيات من شأنها دعم وتفعيل دور البورصات الخليجية في التنمية الاقتصادية، وتمثلت أهمها في الآتي:
1- إنشاء هيئات أسواق مالية تتمتع بالاستقلال المالي والإداري في دول مجلس التعاون.
2- توسيع قاعدة السوق من خلال طرح أدوات جديدة كسندات الدين وأذونات الخزانة والمشتقات المالية والعمل على تشجيع تقديم خدمات التداول الإلكتروني لخدمة المستثمرين خاصة صغار المستثمرين.
3- تشجيع قيام شركات وساطة ذات كفاءة وقادرة على المنافسة والابتكار حيث تقوم بدور حيوي في زيادة نشاط سوق الأوراق المالية وتنميته في إطار تنافسي يساعد على تحسين مستوى الخدمات المالية وتخفيض تكاليف الوساطة؛ ما ينعكس بصورة إيجابية على نشاط السوق.
4- توفير أعلى معايير الإفصاح على مستوى الشركات وتعزيز الأنظمة المتعلقة بحوكمة الشركات وكشف ومنع الممارسات الخاطئة ومخالفة القوانين؛ حيث يعتبر توفير الإفصاح التام من أهم الشروط لتنشيط التداول في سوق الأوراق المالية إذ يؤدي إلى تعزيز الثقة بين المتعاملين من خلال قيام الجهات المعنية لمراقبة ميزانيات الشركات المدرجة في السوق والإشراف على البيانات والمعلومات التي توفرها والتدخل لإزالة التلاعب ومنع إعطاء معلومات غير صحيحة للمساهمين وتزويد المستثمر ببيانات ومعلومات كافية وملائمة في الوقت المناسب عن الشركات المدرجة أو قيد الإدراج وبيان أسعار أوراقها المالية وتوفير تحليلات سعرية لهذه الأوراق. وترتبط دقة الإفصاح ارتباطاً وثيقاً بالأساليب المحاسبية وأساليب التدقيق المتبعة.
5- تنفيذ إجراءات إصلاحية من خلال وضع وتنفيذ القوانين والتشريعات وآليات العمل المناسبة، ويأتي في مقدمة هذه التشريعات قانون الشركات وقانون سوق الأوراق المالية ولوائحه التنفيذية، إضافة إلى قوانين وأنظمة الاستثمار والضريبة المتعلقة بتداول الأوراق المالية والقوانين العامة الأخرى ذات الصلة والتأثير غير المباشر على السوق كقانون مراجعي الحسابات وقوانين المصارف والمؤسسات المالية.
6- اتباع نظام التصنيف (Rating) والجدارة الاستثمارية للمؤسسات الكبرى على غرار التصنيف الذي تقوم به المؤسسات الأمريكية والأوروبية.
7- السعي نحو تحويل الشركات العائلية الكبيرة إلى شركات مساهمة عامة.
8- تشجيع وجود المستثمرين المؤسسين في السوق كشركات الاستثمار المشترك والتأمين وصناديق الاستثمار وغيرها من مؤسسات وشركات تجميع المدخرات واستثمارها حيث تشكل هذه المؤسسات قناة لتجميع مدخرات صغار المستثمرين الذين لا تتوافر لديهم الإمكانية والمقدرة على متابعة وتحليل تطورات السوق وتساعد هذه المؤسسات على استقرار السوق؛ نظراً إلى أن توجهات أغلب الاستثمارات طويلة الأجل ذات طبيعة غير مضاربة، كذلك يمكن أن تساهم هذه المؤسسات في تعزيز العرض من الأدوات المالية إذا ارتأت إدراج أوراقها في السوق.
9- فتح الأسواق المالية الخليجية أمام الاستثمار الأجنبي الضمني وفقا لشروط وضوابط محددة.
10- نشر ثقافة البورصات وحث الجمهور على التعامل مع هذه الأسواق حيث إن توفر درجة عالية من الوعي لدى الشركات والأفراد بالفرص والمزايا الادخارية والاستثمارية التي يوفرها سوق الأوراق المالية عامل مهم في تعزيز دور السوق ودفعه نحو الاتجاه الصحيح للقيام بالدور المنشود منه كقناة لتجميع المدخرات وتوجيهها نحو الأنشطة والقطاعات المنتجة. فإيجاد الوعي يتطلب توافر شركات الخدمات المالية ووسائل إعلام متخصصة وإصدار النشرات والدورات الخاصة بالسوق وغيرها من الوسائل لتنمية دور وآلية السوق.
11- الاهتمام بتحسين البيئة المالية وتعزيز مساهمتها الاقتصادية الكلية لرفع كفاءة الأسواق في مسيرة التنمية الاقتصادية.
12- الاستمرار بعقد مثل هذه النوعيات من المؤتمرات بشكل دوري في دول مجلس التعاون؛ لبحث تعزيز التوصيات وتفعيلها.
وفي النهاية يمكن القول إن البورصات الخليجية تعتبر من البورصات التي من المتوقع أن يكون لها دور بارز في الأسواق المالية الدولية.
asa5533@hotmail.com