Al Jazirah NewsPaper Thursday  23/10/2008 G Issue 13174
الخميس 24 شوال 1429   العدد  13174
إضاءات نفسية
د. محمد بن عبد العزيز اليوسف

زاوية تهتم بكل مايتعلق بالطب النفسي والتنمية البشرية وتطوير الذات.. نستقبل كل أسئلتكم واقتراحاتكم...

رهبة مقابلة الجمهور

سعادة الدكتور محمد اليوسف

أسعد الله أوقاتك بالخير والصحة أستاذي يشرفني مراسلتك والاستفادة من علمك.

أنا شاعر برأي من سمعني أنني شاعر جيد مشكلتي هي الجمهور ومقابلته أشعر برهبة وأحيانا رعشة في الأطراف. راجعت بعض الأطباء النفسيين في منطقة حائل حيث أسكن، وصفوا لي علاج سيروكسات وأنا منتظم في تناوله لكن أيضا سبب لي تأخير القذف في الجماع وهذه مشكلة أخرى أعاني منها بسبب السايروكسات. هل هناك علاج آخر فعّال للرهاب أو بديل لما أخذته علما أنه يسبب لي قلقاً واكتئاب.

شاكراً سعة صدرك وآسف للاطالة.

* أخي الكريم دعني أوضح لك بداية أن ما تعاني منه ليس أمرا استثنائيا أو نادر الحدوث بل على العكس من ذلك تماما حيث تشير الكثير من دراسات استطلاع الرأي الغربية إلى أن الخوف الأكثر شيوعا لدى معظم الأشخاص هو الخوف من التحدث أمام مجموعة من الناس، وحتى في الدراسات العربية رغم قلتها الا أنها أظهرت أيضا أن معدلات الرهاب الاجتماعي عالية، وما وصفته أنت يعتبر رهابا محددا بوضعية خاصة وأعني بها الالقاء أمام مجموعة. بالطبع دواء السيروكسات هو أحد الأدوية الفعّالة لتخفيف أعراض الرهاب لكنه يسبب تأخيرا في القذف أثناء الجماع عند حوالي 50% من المستخدمين كأحد أشهر أعراضه الجانبية، ورغم أن هذا الأمر قد يكون مناسبا لمن يعاني أصلا من سرعة القذف إلا أنه في مثل حالتك يعتبر أمرا مزعجا دون شك. أحد الحلول في مثل هذه الحالة هو إيقاف الدواء لمدة 24 ساعة قبل ممارسة الجماع، أي الاستغناء مثلاً عن الحبة ليوم أو يومين في الأسبوع حيث سيختفي تأثيرها على الممارسة الجنسية غالبا خلال أقل من 24 ساعة. أما الحل الآخر وهو الذي أرجحه في مثل حالتك فهو استبدال هذا الدواء بأحد الأدوية التي تستخدم فقط عند الضرورة وليس بشكل مستمر لسببين أولهما أن الرهاب الذي تعاني منه كما فهمت من رسالتك محدد بوضعية مواجهة الجمهور أثناء إلقاء الشعر وليس رهابا عاما في كل المناسبات الاجتماعية، وثانيهما أنك غير مرتاح أبدا للنتيجة التي أظهرها دواء السايروكسات معك لدرجة أنك تشعر أنه تسبب لك في اكتئاب وقلق وهذا بالتأكيد غير ممكن لأنه دواء يستخدم أصلا لعلاج أعراض الاكتئاب والقلق لكن تفسير ذلك هو عدم اقتناعك بالدواء بالإضافة لما سببه لك من أعراض جانبية وهذا يحدث مع جميع أنواع الأدوية بما في ذلك الأدوية العضوية لأن قناعة المريض وتقبله للدواء مهم جدا للاستفادة منه أما الشفاء فهو بالتأكيد من الله سبحانه وتعالى.

هناك حبوب مجهضة لأعراض التوتر تسمى Alprazolam ويطلق عليها تجاريا اسم زاناكس يمكنك استخدامها فقط عند الضرورة أي قبل نصف ساعة إلى ساعة من الوقوف أمام الجمهور وهي لا تسبب إطلاقا أي أعراض شبيهة بتلك التي يسببها السايروكسات. كذلك هناك دواء اسمه Propranolol أو مايعرف تجاريا باسم انديرال وهو أيضا فعال خصوصا لتخفيف أعراض التوتر الجسدية كارتعاش اليدين والخفقان والتأتأة ويتم استخدامه فقط عند الضرورة وقبل مواجهة الجمهور أيضا.

أقترح عليك هذين البديلين لطرحهما للنقاش مع طبيبك بالطبع لأنه هو مرجعك الأساسي، وإليك بعض النصائح السلوكية المعرفية السريعة لتحقيق أقصى استفادة ممكنة من هذه النوعية من الأدوية:

1- الهدف من استخدام الدواء هو كسر الحاجز النفسي مبدئيا ومع الوقت ستعتاد على الدخول في نفس الأجواء دون أن تشعر بأعراض توتر شديد وعندها جرب أن تقف أمام الجمهور دون استخدام أي أدوية وهو الهدف الذي نسعى إليه فعلا.

2- احذر من الوقوع في ما أسميه مصيدة القلق، وهي الرغبة القوية والملحة منك في عدم الشعور بأي احساس مزعج قبل أو في بداية مقابلة الجمهور. هذا النمط من التفكير غير واقعي بالتأكيد لأنه لا يوجد شخص على وجه الأرض لا يشعر بشيء من التوتر قبل وخلال الدقائق الأولى من مقابلة الجمهور، ولذلك عليك بتوقع وتقبل هذا الاحساس قدر الإمكان إذا أردت أن تهزمه فحتى كبار المشاهير بل والسياسيون على مستوى العالم الذين اعتادوا على الظهور عشرات المرات أمام الجمهور يقرون بوجود شعور بالتوتر في الدقائق الأولى من مواجهة الناس.

3- تذكر أن تقبل مشاعر التوتر لا يعني أبدا الاستسلام لها، فالاستسلام معناه أن تتجنب تماما أي مواقف تشعرك بالقلق وهذا غير مطلوب بالمرة بل المطلوب هو التقبل أي الظهور أمام الناس وأنت متقبل أن تظهر عليك بعض أعراض القلق والتوتر بل ولا بأس أيضا من الإقرار بذلك في بداية الأمسية على سبيل المثال بطريقة ذكية كأن تقول: احترامي وتقديري الكبير لكم كجمهور ورغبتي في تقديم أفضل ما لدي لامتاعكم يجعلني أشعر بشيء من التوتر والانفعال فاعذروني، وبذلك تزيح هما كبيرا عن كاهلك عندما تبوح بصراحة بمشاعر كنت تقاتل في سبيل إخفائها وعدم ظهورها.

4- ضع في ذهنك أن الجمهور في عمومه جاء ليستمتع بكلماتك لا ليتصيد أخطاءك أو ارتباكك.

5- حاول أن توظف مشاعرك السلبية بطريقة ايجابية (كيف ؟) مثلا القلق الداخلي الشديد أظهره بشكل حماس وانفعال مع الكلمات وارفع نبرة صوتك أكثر إذا شعرت بارتعاشة وكأنك ازددت حماسا، أما ارتعاش اليدين فبإمكانك توظيفه من خلال تحريك يديك بطريقة تتناسب مع الكلمات بدلا من محاولة تثبيتها إذا كنت عادة لا توظف حركات الجسد أثناء الإلقاء وهي مهارة ستجعل حضورك أكثر تميزا.

6- ثق تماما أن الموهبة والرغبة في تحقيق الذات من خلال ممارسة تعشقها كافية دائما لكسر حاجز التردد والرهبة. فإذا كنت صاحب موهبة حقيقية - وهذا ما أظنه خصوصا بعد سماعي لإلقائك الشعري من خلال الملف الذي أهديته لي - فثق أنك بإذن الله ستتجاوز هذا الحاجز النفسي مع الوقت فقد سمعت وقرأت عن مشاهير لم يكونوا يحلمون يوما أن يتحدثوا إلى عشرة أشخاص بسبب حاجز الرهبة فإذا بهم يلقون خطبا أمام عشرات الآلاف لكن السلم دائما لا يمكن صعوده مرة واحدة بل درجة تلو الأخرى، وكل درجة تمثل درسا جديدا لمن يرغب حقا أن يتعلم ويتطور.

تحياتي ودعواتي الصادقة لك بمستقبل ناجح.

إضاءة

في كل مرة تعتقد فيها أن المشكلة في الآخرين أو في البيئة المحيطة بك فإن هذا الاعتقاد بحد ذاته هو المشكلة.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد