ربما امتطيت ذاك الصعب وقرأت شعراً تفوح منه رائحة التمرد، محاولة لكسر شرنقة الذات، شعر بيلكّه سومر، شاعرة من تركيا تبلّلت تحت ظل القمر، حتّى صار المطر صديقها من شعرها حتّى حذائها.
كنت أجزم أننا الوحيدون نستطيع التعامل مع المفردة بمنطق الحزم واللين، والأقدر على إخضاع اللغة لرغباتنا في النص، ولكن أتأمل شعر بيلكّه فأجد المختلفة مفردات لامستْ وعيها وتصورها، وهذا الانتقاء جزء من عملية الإبداع تقول:
مطر الملح
أحبني
قال
أصبح صديقك
أبللك
لم أقل لا
من شعري حتّى حذائي
بللني
في شهر أيلول
كلّ قطرة كنار
أحرقتني
كلّ قطرة ملح
دخل دمي.
***
إلى أن تقول:
ليل لا نهائيّ
إنه خرير الماء الأزرق
يقول الألم كفى
بين الشوك حبّ
أخضر، أحمر، أصفر
كنت تهب لي حبك لي
كنت تهب حياتك لي
حين كنت أكتب القصيدة
حين كان يتكرر الليل
حين كان لا ينتهي الليل.
كنتُ أتهادي بين سطورها وهي مشرعة النوافذ فأشم عبق المطر في نصها وكأني بين أبيات السَّياب مطر.. مطر، فتغسلني بحباتها الزرق وتبللني ناثرة عني التعب فارتديه للحظات وأمضي مع كلّ قطرة تحرقني، تطفئ في نفسي حرائق التهبت. هكذا كان المطر لبلكّه والسّياب وعليوان وغيرهم كُثر. هذا المطر بكثافته كتاب ناصع على صفحات الروح.
الشاعرة ألهبت قصيدتها بالألم وبالليل، وأخرى، ولها رؤيتها وذائقتها المتميزة وقاموسها الخاص بها، رغم ما وصلنا من الشعري التركي القليل. إلا أن حاجز اللغة المترجمة يقف عائقاً نوع ما بيننا. فقد قرأت هذا النص بعد أن ترجمه عبد الرحمن عفيف.
فالمفردات التي اجتثيها من بين ذاك القاموس لغة جامحة قوية.
رغم ما يعتري أحد الأبيات من مرارة الشكوى لمدنها المحترقة، ودموع نجومها المنهمرة، وعويل جسدها إلخ..
إلا أن أحد الأبيات فيه سوء أدب مع الخالق سبحانه وتعالى لاستخدامها اللفظ الغير لائق بين الخالق والمخلوق، كان الأجدى بها أن تحسن الشكوى باستخدام مفردة أرقى وأكثر تهذيباً في مخاطبة الخالق.
حيثُ قالت:
* ألا ترى أيها الله
تنهمر دموع النجوم
ألا تشم رائحة مدني
التي يتم حرقها
ألا تسمع عويل جسدي
في السموات.
* إلى متى يظل ضحك طفولتنا
مكوم الفم
في قاع فلبنا
وأبقى مستمعة
على صراخ وطني
لستُ حرة
لستُ بطلة تاريخي
لعل هذا النص أفضل ما كتبته سومر فأسمع صرخات متوالية لوطنٍ من ابنه أرض حبيسة تحلم بالخلاص تتبنى قضية وطنها الجريح ينزف ألماً.
النص الذي في يدي لقصيدة نثر يعكس مرحلة اختزنتها الشاعرة، كما يحمل بين رواقه التمرد، والأنين.
وأمل يكاد يقرع باب موصد بأكف مجروحة.
والشعر من وجهة نظري هو قوس قزح يلخص العناصر في ألوان قليلة، وهو صوت الإنسان في هذا الكون أياً كان دينه، أو لونه أو عرقه، فالشعر لغة كونية.